جرت في الأيام القليلة الماضية مفاوضات في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية في اليمن، خصوصاً بعدما رفعت الأمم المتحدة مستوى خطورة الكارثة الإنسانية، محذرةً من مجاعة وشيكة تهدد الملايين من اليمنيين. لهذه الغاية، حلّ مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ في صنعاء في الايام الماضية، بعدما زار عدداً من دول الإقليم، مركزاً اتصالاته مع القوى السياسية على خطين متوازيين: الأول، العمل على نجاح الهدنة الإنسانية، أما الثاني، فهو متابعة المسار السياسي. وهو لا يزال يعمل وفق برنامج «النقاط السبع» التي قدّمها في جنيف، كأساس يبنى عليه لوقف العدوان، مترافقاً مع انسحاب الجيش و«اللجان الشعبية» من المدن.
غير أن اللافت هو ازدياد نسبة الغارات السعودية على المرافق العامة والمقار السياسية التابعة للقوى السياسية اليمنية، والأبشع من ذلك، هو تدمير ممنهج لدورة الحياة اليومية للمواطن اليمني، من خلال استهداف الأسواق الشعبية، وأسواق المواشي في وقت الذروة، مثلما حدث في مدن لحج الجنوبية وعمران والحجة في الشمال، ما أدى إلى سقوط ما يقارب 200 شهيد من المدنيين ومئات الجرحى. ووصلت حالة الضياع وانعدام التوازن بالنظام السعودي إلى أن تغير طائراته على مقر اللواء «23 ميكا» في منطقة العبر في محافظة حضرموت، وهو لواء يعمل تحت ما يسمى «شرعية عبد ربه منصور هادي»، ما أدى إلى سقوط نحو مئة ضحية بينهم ضباط شماليون وجنوبيون.
توجه السعودية رسالة بواسطة الدماء والقتل إلى اليمنيين، مفادها أنهم في حال استمروا في رفض الشروط السعودية فإن الثمن سيكون باهظاً جداً، وهي بهذه الرسائل الدموية تواكب حركة المبعوث الدولي ولد الشيخ وترسم له خريطة طريق تحدد له فيها المسموح والممنوع.
غير أن ولد الشيخ سمع كلاماً واضحاً من القوى السياسية في صنعاء، بأن لا مجال لفرض إرادة سياسية وأجندات خارجية، وبأن استمرار العدوان لن يحقق أي هدف من أهدافه، مهما كانت نتائج العدوان قاسية ومؤلمة، مع العلم بأن القوى اليمنية، ومراعاةً لمهمة المبعوث الدولي، عمدت إلى تأجيل مؤتمر عام بهدف ملء الفراغ السياسي والدستوري في البلاد. لكن هذا التأجيل غير مفتوح، والأهم هو معرفة جميع الوسطاء أن القوى اليمنية ليست معنية وغير مستعدة لإيجاد مخرج لآل سعود، ولا حتى للقبول بحلول عنوانها حفظ ماء وجه النظام السعودي. أما في ما خصّ نقطة البحث الرئيسية المتعلقة بأمن المدن بعد انسحاب «اللجان الشعبية» منها، فإن ولد الشيخ فهم بوضوح أن الحل الوحيد هو التوافق على تشكيل قوة من الجيش والشرطة والأمن تتولى إدارة المدن.
سياسياً، أبدت القوى السياسية استعدادها للعمل على إعادة العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي، شاملةً كل الأطراف، بما فيها حزب «الاصلاح» (الإخوان المسلمين)، وحزب «الرشاد السلفي»، وكبادرة حسن نية أطلقت سلطات صنعاء في الساعات الماضية، سراح عدد من قيادات حزب «الإصلاح» من السجون اليمنية.
أما في حال لم تصل المفاوضات مع ولد الشيخ إلى نتيجة، فإن القوى السياسية تدرس بجدية أمر تشكيل هيئات الدولة وسدّ الفراغ في مؤسساتها السياسية والدستورية، كإجراء من طرف واحد يهدف إلى تغيير المعادلة السياسية، بما ينسجم مع المتغيرات الحاصلة على الأرض.
ميدانياً، أصبح الجميع في صورة أن اليمنيين سوف يواجهون استمرار العدوان بواسطة خيارات عدة. أما الضرورات التي فرضت تقييد قدراتهم في الفترة الماضية، فقد أصبحت بحكم اللاغية، وأصبح اليمنيون اليوم أمام مرحلة استخدام أوراق القوة القادرة على إحداث تغييرات جذرية.