القاهرة | يختلف البابا تواضروس الثاني عن البابا شنودة الثالث في أسلوب الظهور والتواصل المباشر. فبينما كان البابا شنودة دائم الظهور، حريصاً على الانتظام في عظته الأسبوعية والتواصل عبر الكنيسة مباشرةً مهما كانت التحديات، يبدو البابا تواضروس، أحياناً، مرتبكاً ومنفعلاً أمام المفاجآت التي قد تحملها له التجمعات الكبيرة. وأمس، أصدر تواضروس قراراً يقضي بإلغاء العظة الأسبوعية داخل الكنيسة لمدة تتجاوز عامين، بعد عدة إجراءات كان قد اتخذها منذ جلوسه على الكرسي خلص، في بعضها، إلى الاكتفاء ببرنامج تلفزيوني أسبوعي بعنوان «البابا وأسئلة الشعب».
خلال كلمة البابا تواضروس في العظة الأخيرة، مساء الأربعاء، قال إنّ السبب وراء إلغاء العظة الأسبوعية، هو انتظار الانتهاء من تجديد الكنيسة والاحتفال بعامها الخمسين في عام 2018. لكنّ قراراً قد لا يمكن قراءته بعيداً عن المشهد السياسي المصري بصفة عامة، و«القبطي» بصفة خاصة.
هو أولاً يأتي عقب حادثة اغتيال النائب العام المصري، وما تبع ذلك من تشديد أمني على العديد من الشخصيات العامة والسياسية، ومن بينهم البابا تواضروس. ويأتي، كذلك، بعدما شهدت عظات سابقة لتواضروس احتجاجات (وصلت إلى حد طرد سيدة من عظة)، فضلاً عن استدعاء الشرطة حين تظاهرت مجموعة من المتضررين من قانون الأحوال الشخصية.

وفي حديث إلى «الأخبار»، يعتبر الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، مينا ثابت، أن قرار إلغاء البابا لعظته الأسبوعية نتيجة طبيعية لأنّ العظة الأسبوعية لم تعد تحظى بالاهتمام نفسه الذي كان في زمن البابا شنودة. ويضيف أنّ «القرار هو، أيضاً، أحد انعكاسات غياب المساحة المشتركة بين البطريرك الجديد ورعيته؛ فحتى الآن هنالك حلقة مفقودة في التواصل بين الشعب والبطريرك، وأيضاً تعرض البطريرك للإحراج في أكثر من عظة، حتى صارت تلك العظات بمثابة فرصة لبعض الأشخاص الذين يريدون إحراجه».
قياس علاقة البابا بالناس في الكنيسة بأدوات سياسية غير دقيق

ويرى ثابت أن «لا أحد يستطيع الجزم بالأسباب الحقيقة لهذا القرار: قد تكون الحالة العامة للبلاد، وقد تكون الظروف المحيطة بالبطريرك الجديد داخل الكاتدرائية وخارجها، وقد تكون احتياج الشعب القبطي في هذه اللحظة الى خطاب من نوع خاص والبطريرك الجديد لم يتمكن من الوصول اليها بعد. قد يكون نقص خبرة، وقد يكون صراعاً داخلياً».
أما المفكر، كمال زاخر، فيقول لـ«الأخبار» إن «العظة الأسبوعية هي واحدة من وسائل التعليم وتواصل البابا مع الأقباط من خلال الكنيسة، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة»، مضيفاً أنّ «توقفها أو استمرارها لا يؤثر كثيراً في علاقة البابا بشعب الكنيسة، فالعلاقة ممتدة في منظومة رعاية، وتواصل طوال الوقت من خلال الكهنة». ويرى زاخر أن «قياس علاقة البابا بالناس في الكنيسة بأدوات سياسية غير دقيق، فالعلاقة بينهم علاقة أبوة والبابا سيظل متاحاً طوال الوقت من خلال اللقاء المباشر، أو من خلال الأساقفة».
ويرفض زاخر، أيضاً، الربط بين قرار البابا تواضرس بإلغاء العظة الأسبوعية وبين الأحداث التي شهدتها الكنيسة خلال العظة قبل الأخيرة، حين تظاهر أربعة شباب في حضور البابا مطالبين بتعديل لائحة الأحوال الشخصية الخاصة بالأقباط بما يتيح لهم الحصول على الطلاق والحصول على إذن بالزواج مرة ثانية، ما أغضب البابا ودفعه إلى عدم استكمال العظة حينها، وطلب الشرطة. ويقول زاخر إنه تم احتواء الأمر وتصالح البابا مع الشباب وتنازلت الكنيسة عن محضر الشرطة الذي حررته، خالصاً إلى القول إنه لن يكون هذا سبباً لإلغاء العظة لهذه الفترة.
الباحث في مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، يسري العزباوي، يرى أن التحديات أمام البابا تواضروس كبيرة منذ توليه الكرسي البابوي (2012)، معتبراً أنه «يحتاج إلى إعادة ترتيب البيت القبطي من الداخل خاصة بعد تعالي الأصوات المطالبة بالزواج المدني وبتسهيل عملية الطلاق، وإصدار اللائحة الجديدة لتنظيم الأمور الكهنوتية داخل الكنيسة، كل هذا ربما يكون قد دفع بالبابا شنودة لاتخاذ مثل هذا القرار للتفرغ لحل هذه الأمور».
وكان أول من بدأ بفكرة العظة الأسبوعية للأقباط هو البابا شنودة الثالث الذي رحل قبل عامين ونصف، وبدأ هذا التقليد (حين تم ترسيمه أسقُفاً للشباب في عام 1964) على شكل اجتماع في مطعم الكلية الاكليركية، ثم تطور حتى أصبح لقاءً أسبوعياً ثابتاً في الكاتدرائية، وحرص البابا شنودة عليه طوال فترة جلوسه على الكرسي البابوي، ولم ينقطع عنه إلا بين عامي 1981 و1985 خلال فترة «تحديد الإقامة»، إثر خلافاته مع الرئيس محمد السادات التي كان من بين أسبابها مطالبة السادات للبابا شنودة بإلغاء العظة الأسبوعية.