غزة | أكثر من عامين والطبيب الفلسطيني محمد زيارة يحاول الهجرة من غزة إلى دولة أوروبية يُحقق فيها حياة كريمة تتناسب مع ما أمضاه في دراسة الطب، علماً بأنه محسوب على قلة قليلة وجدوا فرصة للعمل جراء توقف التوظيف، لكن تدني الرواتب والإشكالات السياسية التي تهدد مستقبلهم المهني، يُجبرانهم على أن ينسوا قسم المهنة، الذي يُضفي عليه أنهم يعالجون ضحايا احتلال إسرائيلي قاسٍ، ليبحثوا عمّا يحفظون به كرامتهم ومستقبل أسرهم.
ومنذ تشكيل حكومة «التوافق الوطني» في حزيران 2014، لا يزال موظفو حكومة غزة السابقة، من أطباء ومدرسين وغيرهم، يعانون مشكلة غياب الاعتراف بهم، وهم الذين عينتهم حركة «حماس» منذ 2007، ومنهم آلاف محسوبون على كادر وزارة الصحة.
وتحديداً عانى الطاقم الطبي مشكلات كثيرة، منها أولاً حيرتهم في تنفيذ قرار «الجلوس في البيت» الذي صدر إثر أحداث الانقسام، أو رفض الإخلال بشرف المهنة والاستمرار في معالجة الناس، وصولاً إلى غياب صرف بدلات المخاطرة لهم، وهذا في ما يخص موظفي رام الله، في حين أن معظم موظفي حكومة غزة يتقاضون نصف راتب منذ ثلاث سنوات.
وزاد الطين بلة قرار السلطة في رام الله التي أحالت في آب الماضي 3663 موظفاً يتقاضون رواتبهم منها، على التقاعد المبكر، وهؤلاء موزعون على وزارات الصحة والتعليم وسلطة الطاقة والاقتصاد والمالية، ومن ضمنهم 914 طبيباً، أكثر من 200 منهم يعملون في الرعاية الأولية، بجانب 390 طبيباً اختصاصياً من أصحاب الخبرات والكفاءات، وهو ما يهدد بتغيير شامل في قطاع الصحة المتدهور أصلاً.
يقول الطبيب زيارة إنه وصل إلى نتيجة حتمية بالهجرة إلى أوروبا، بعدما تمكن خمسة من زملائه مع عائلاتهم من الوصول إلى ألمانيا، وهم من أصحاب التخصصات الذين «قطاع غزة بحاجة ماسة إليهم... مثل هؤلاء لو توافرت لهم الإمكانات والبدلات المالية الجيدة، سيمثلون بديلاً لتحويل المرضى إلى مستشفيات الاحتلال أو الضفة أو دول عربية».

«تسرّب» منذ
3 سنوات 538 موظفاً من «الصحة»، 60% منهم أطباء


الحديث عن هجرة عشرات الأطباء، ونية كثيرين للهجرة، أكدته وزارة الصحة، لكنها قالت إنه لا يرقى إلى مستوى الظاهرة، فيما لا يتفق ذلك مع ما ذكره أستاذ جامعي يدرّس الطب عن سفر عدد كبير من طلابه ممن درّسهم في جامعات غزة إلى الخارج تلبية لطموحاتهم وتحقيقاً لمستوى معيشي أفضل. وخلال حديثنا مع أحد الأطباء الذين وصلوا إلى ألمانيا، أكد أنه حقق ما يطمح إليه بعدما بات يواصل عمله وتخصصه منذ ثلاث سنوات، فيما من تركهم من أطباء في غزة «يصارعون في بقعة مظلمة لا أمل فيها».
في السياق، يعقّب إياد أبو صفية، وهو المدير العام لـ«الإدارة العامة لتطوير سياسات الموارد البشرية» في «ديوان الموظفين»، بأن هناك تسرباً للكفاءات منذ 2014 حتى العام الجاري، بلغ 538 موظفاً من وزارة الصحة، أكثر من 60% منهم أطباء عثروا على فرص عمل خارج القطاع في دول أوروبية وخليجية، مشيراً إلى أن نصف مَن عُيِّنوا عبر حكومة غزة من ذوي التخصصات النادرة في العام الماضي صاروا في الخارج.
ورغم أن عدداً من المنح الأجنبية تشترط على المستفيدين منها العودة بعد انتهاء الدراسة إلى البلد التي قدموا منها والخدمة لعامين أو ثلاثة على الأقل، فإن هذا يصطدم بواقع صعب في غزة بين طرفي الانقسام، فالطرف الأول لا يعترف بهم، والآخر يعاني عجزاً مالياً كما يقول. هنا تدافع وزارة الصحة في غزة عن نفسها بالقول إنها حاولت الخروج من هذه الأزمة بإدراج الأطباء المميزين في برامج تشغيلية لمؤسسات دولية كـ«الهلال الأحمر القطري»، وفق مساعد وكيل الوزارة مدحت محيسن، الذي أفاد بأن 240 طبيباً حصلوا على «البورد» الفلسطيني، وذلك في محاولة لتعويض المتخصصين الذين تركوا البلاد.
بجانب ذلك، يوضح أبو صفية أن «القطاع الحكومي يتحمل عبء 98% من الخدمات الصحية، في وقت لا تتحمل فيه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) سوى 5%، على عكس الضفة حيث يقدم القطاع الخاص إلى المواطن نسبة كبيرة من الخدمات الصحية». مع ذلك، يتحدث أبو صفية عن أمل ينتظر غزة، بالإشارة إلى «منشآت صحية تنتظر انفراجاً سياسياً كي ينطلق عملها، كمستشفى الأطراف الصناعية داخل مجمع الشفاء الرئيسي، ومستشفى اليمن السعيد شمال القطاع، والمستشفى التركي ومبنى الياسين... ثمّة توقف جزئي لمبنى كانت قطر قد أنشأته، لكن ما يزيد العبء هو توقف التوظيف منذ ثلاث سنوات». يُشار إلى أنّ عدد مستشفيات القطاع يصل إلى ثلاثين، أي بمعدل 1.57 لكل مئة ألف نسمة، نظراً إلى الكثافة السكانية المرتفعة، ومنها 13 مستشفى تتبع لوزارة الصحة، طبقاً للتقرير الصحي السنوي لعام 2016 الصادر عن «مركز المعلومات الصحية» الفلسطيني.