لا تعبّر إدانة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مقاطعة إسرائيل عن توجهات العائلة الحاكمة في المنامة فقط، بل تعكس مرحلة متقدمة من تطوير وتظهير العلاقات الخليجية ــ الإسرائيلية، التي سبق أن مهّدت لها السعودية مسارها الذي يأخذ منحى تصاعدياً، وفق خطة مدروسة تتناسب مع التطورات التي تشهدها المنطقة. ومما يلفت أن العائلة المالكة في الرياض، التي فرضت حصاراً على قطر بحجة علاقاتها مع إيران، هي نفسها التي أرسلت جيشها دعماً للسلطة الحاكمة في البحرين التي لا تكتفي بقمع شعبها، بل تحاول منافسة «زملائها» الخليجيين في مسيرة التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
ومع أنه حتى اللحظة لم يصدر موقف بحريني رسمي، الذي عادة ما يغلّفونه بالحديث عن ضرورة حل القضية الفلسطينية، يبقى هذا الموقف التطبيعي «تفصيلاً» تقليدياً في سياق المسار العام الذي يسلكه النظام الملكي في البحرين وبقية أنظمة «التطبيع» الخليجية. لكن ما يميز ملك المنامة أنه في الوقت الذي يحرم شعبه أبسط الحقوق والحريات، يتّسم بالجرأة في الإقدام على الخطوات والمواقف المؤيدة للإسرائيليين. هنا يأتي موقفه ــ كما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ــ بإزالة «منع زيارة إسرائيل» قريباً ليعزز حقيقة العلاقة التبادلية بين القمع الذي يمارسه هذا النظام في الداخل، وانفتاحه على إسرائيل، خاصة أن الشعب البحريني تميز بخياراته الداعمة لقضايا الشعب الفلسطيني.
وتتصف الخطوات والرسائل التطبيعية للعائلات الحاكمة في الرياض والمنامة وأبو ظبي، إزاء إسرائيل، بتناغمها وتكاملها مع الرسائل التي تصدر في تل أبيب. وتجسدت هذه المرة بالتزامن بين مواقف ملك البحرين بإدانة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، مع ما أعلنه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، قبل أكثر من أسبوع، حينما قال إن العلاقات مع الدول العربيّة هي الأفضل من أي وقت مضى في تاريخ إسرائيل، مؤكداً وجود علاقات سرية بين إسرائيل والكثير من الدول الإسلامية.
وللتذكير: نالت الإمارات أيضاً، خلال أقل من عامين، «وسام» إجراء مناورات جوية مع سلاح الجو الإسرائيلي ضمن مناورات أطلسية. وهو ما عكس مستوى التطور الخليجي التطبيعي مع العدو الإسرائيلي في مجالات التنسيق العسكري والعملاني. والآن تأتي مواقف ملك البحرين، التي تشكل بدورها تتويجاً لخطوات سابقة له، فتكشف بذلك عن مستوى إضافي من تطور هذه العلاقات التي يتوقع أن تكون قد تجاوزت ما تم الكشف عنه وإعلانه حتى الآن.
مع ذلك، يلاحظ، بالاستناد إلى الممارسة العملية، كأن هناك معادلة تحكم تقارب هذه الأنظمة مع إسرائيل. فالنظام المؤهل لنيل الدعم الإسرائيلي و«شرف» خيار التطبيع، هو الأكثر عداءً للشعوب التي تناصر القضية الفلسطينية، والأكثر قمعاً والأعلى مرتبة في ارتكاب المجازر. مثلاً، السعودية والإمارات يقومان بمهمة تدمير اليمن وقصف شعبه وارتكاب المجازر بحقه، ونظاما الرياض والمنامة يقمعان الشعب البحريني، فيما يتميز هذان الشعبان ــ من دون الانتقاص من البقية ــ بتألقهما في شبه الجزيرة العربية في مناصرة القضية الفلسطينية والعداء للكيان الإسرائيلي. واللافت أن هذه الأنظمة الثلاثة هي الأكثر مسارعة واندفاعاً في التطبيع مع هذا الاحتلال، من دون أن نوغل في تفاصيل كونها أيضاً الأكثر عداءً لمحيطها العربي والإسلامي على مستوى الشعوب والأنظمة المعادية لإسرائيل.
على خطّ موازٍ، يلاحظ أيضاً أن نظامي الإمارات والبحرين، اللذين تظلّلا بغطاء سعودي علني وعملي من أجل المبادرة إلى هذا المستوى من الانفتاح على مستوى الموقف والممارسة مع إسرائيل، يقومان أيضاً بمهمة التمهيد العلني «للقفزة» النهائية السعودية، بالانفتاح الرسمي ــ العلني على إسرائيل، الذي على ما يبدو بات أقرب من أي وقت مضى. وكلمة السر التي تشير إلى هذا المسار، وباتت جزءاً من أدبيات عملية التسوية، الحديث عن «صفقة إقليمية» لحل القضية الفلسطينية، يتبنّاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من دون أن نغفل أنه قبل فوز الأخير بمنصبه، سبق لنتنياهو أن روَّج خلال السنوات الماضية بكل ما يملك من قدرات سياسية وخطابية لهذا المفهوم.
ويعود التمسّك الإسرائيلي ــ الأميركي بهذا العنوان الإقليمي إلى أنه يظلّل ويمهد لصفقة علنية سعودية ــ إسرائيلية، تشكل إطاراً رسمياً ناظماً لتطور التنسيق والعلاقات بين الطرفين في مواجهة تطورات المنطقة، التي يتشاركان فيها على مستوى الرؤية والموقف والمصالح. وبمتابعة المقاربة الرسمية والإعلامية للعلاقات السرية بين الرياض وتل أبيب، يلاحظ أن الأخيرة تبدو بانتظار ما تراه السعودية التوقيت الملائم «للمفاجأة ــ المتوقعة»، بالانتقال إلى المرحلة العلنية في العلاقات.
هكذا، يمكن تسجيل حقيقة أن كل هذه الأنظمة، وتحديداً ملك البحرين، أدى دوراً مهماً في الدفع نحو شرعنة الاحتلال الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه. ونتيجة الاهتمام الإسرائيلي المتزايد بهذا النوع من الرسائل والخطوات التمهيدية، لوحظ وجود اهتمام إعلامي لافت في تل أبيب بمواقف ملك البحرين الذي أدان المقاطعة العربية ضد إسرائيل، والذي أكد أيضاً أنه سيسمح قريباً للمواطنين البحرينيين بزيارة إسرائيل. وأوضح العديد من المواقع الإخبارية الإسرائيلية أن ملك البحرين، التي لا تربطها علاقات ديبلوماسيّة مع إسرائيل، قال هذه الأقوال للحاخام أبراهام كوبر، وهو رئيس مركز «سيمون فيزنتال» في لوس أنجلس في الولايات المتحدة. ولعل الأكثر دلالة هو أن هذا الملك الذي يوغل في قمع شعبه وحرمانه أبسط حقوقه وقّع، في الاحتفال الذي أقيم في المركز، على بيان يدين الكراهية والعنف الديني!
ولفرط فرحتها بمواقف ملك البحرين، غرّدت عضو الكنيست كاسنيا سبتلوفا، الخبيرة في العلاقات بين إسرائيل والدولة العربية، قائلة: «هذه أخبار جيدة. آمل ألا ترد أخبار لاحقاً تنفي هذا الخبر. هل سيكون في وسع الإسرائيليين زيارة البحرين؟». وانطلاقاً من أنها ليست الخطوة التطبيعية الأولى لنظام البحرين، سبق للحاخام كوبرا أن زار مطلع السنة الجارية المنامة، حيث لفت نظره اهتمام الملك بكل ما يتعلق باليهود، وبدا ذلك في قوله: «هناك كنيس صغير وحيد في الخليج الفارسي، ما زال قائماً في البلدة القديمة في المنامة».
ويبدو من العناوين التي يجري تداولها أن هناك مخططاً يهدف إلى تمرير التطبيع مع العدو الإسرائيلي والتقارب العلني معه تحت عناوين التسامح بين الأديان، بمن فيهم اليهود. وبما أن الصهاينة في فلسطين هم يهود، يصير هذا العنوان غطاءً لشرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، على أن يتحول لاحقاً التنسيق الاستخباري والعسكري والسياسي مع الاحتلال، ارتقاءً في مسيرة التكامل بين الأديان، وتحديداً مع اليهود الصهاينة، في علاقة باتت ضرورية بعد حفلة الجنون التي نفذها «داعش» وأخواته في سوريا والعراق والمنطقة!
إلى ذلك، ذكَّرت التقارير الإعلامية، في سياق تناولها مواقف ملك البحرين، بأن إسرائيل طلبت قبل شهرين من السعودية السماح بإجراء رحلات جوية بين تل أبيب ومكة، ليتمكن المسلمون من زيارة الأخيرة مباشرة وإقامة مناسك الحج. وآنذاك قال وزير الاتصالات، أيوب قرا، لصحيفة «بلومبرغ»، إن «إسرائيل تأمل، أنه بدلاً من أن يسافر المسلمون (فلسطينيّو الـ48) نحو ألف كيلومتر عبر الحافلات (إلى مطار عمّان)، أن يسافروا جواً في غضون وقت أقل».