لم تستسغ دوائر القرار الإقليمية والدولية تشبّث أربيل بإجراء استفتاء انفصال «إقليم كردستان» عن العراق، في 25 أيلول الجاري. وبالرغم من «تفاؤل» بعض القوى الكردية في إمكانية تأجيل الاستفتاء وتفعيل «حوارٍ جادٍّ» مع بغداد، قضى النواب الأكراد على هذه الآمال، بعد تصويتهم بالإجماع على إجراء الاستفتاء في موعده، ومنحه شرعيةً «دستورية وقانونية».
حديث الأروقة السياسية العراقية يشي بوجود هامش تأجيل الاستفتاء، وأن خط مفاوضات بغداد ــ أربيل لا يزال قائماً، خاصّةً أن «المجلس الأعلى للاستفتاء»، برئاسة زعيم «الإقليم» مسعود البرزاني، عقب اجتماعه أمس، شدّد على الالتزام بموعد الاستفتاء، بالتوازي مع إرسال أربيل وفداً إلى بغداد خلال اليومين المقبلين.
وبين تشبّث البرزاني بقرار الإجراء وإمكانية تأجيله، فإن مصادر كردية عدّة تؤكّد في حديثها إلى «الأخبار» أن «الاستفتاء لن يجري، والمسار الذي تسلكه الأزمة، ومواقف البرزاني النارية، مردّها إلى الضغوطات الكبيرة التي يتعرّض لها»، من بغداد إلى طهران وأنقرة، وصولاً إلى واشنطن، ومروراً ببعض العواصم الأوروبية.

طهران: المنافذ الإيرانية مع الإقليم ستغلق في حال
إجراء الاستفتاء

فواشنطن ــ أبرز داعمي البرزاني ــ أعربت عن رفضها لـ«نية حكومة إقليم كردستان إجراء الاستفتاء»، مؤكّدةً ــ في بيانها ــ أنها أبلغت «مراراً قادة حكومة الإقليم أن الاستفتاء يشتّت التركيز على الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بداعش وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة». فالاستفتاء ــ وفق واشنطن ــ في المناطق المتنازع عليها (بحسب المادة 140 من الدستور العراقي) يمثّل «استفزازاً وزعزعةً للاستقرار»، داعيةً إلى «إلغائه والدخول في حوار جاد ومستمر مع بغداد».
التمسّك الكردي بالخطوة «الانفصالية»، التي تغذيها إسرائيل والسعودية والإمارات، ترى فيها الرياض باباً للعلب دورٍ أكبر في الملف العراقي، وتحقيق حضورٍ أقوى في المشهد المعقّد الذي يعكس توجهات دول جوار بلاد ما بين النهرين. الدعم السعودي لخطوة البرزاني من جهة، يقابله في الجهة المقابلة مسعىً لـ«وساطة»، تبدو في طيّاتها النيّات السعودية المبيّتة لاستثمار الخلافات، والعمل على تحقيق مكاسب سياسية تقوّض من خلالها النفوذ الإيراني، فتظهر الرياض بذلك صاحبة «العصا السحرية» في حل الأزمات.
وكشفت رئاسة كردستان، أمس، عن عرض السعودية «التوسط وتهيئة الأجواء للحوار بين بغداد وأربيل»، وقالت في بيانها إن «وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السهبان عرض الأمر خلال لقائه بالبرزاني». وأضاف البيان أن السبهان «أشاد بدور الشعب الكردستاني وقوات البشمركة»، مؤكّداً «مواصلة علاقات الصداقة السعودية ــ الكردستانية». أما البرزاني، فقد نوّه بـ«العلاقات المستمرة بين الرياض وكردستان»، لافتاً إلى أن «الإقليم لم يغلق أبواب الحوار».
أما أنقرة، أكبر المتضررين من إمكانية انفصال «الإقليم»، فترى في خطوة أربيل «مسألة أمنٍ قومي»، على حدّ تعبير رئيس الوزراء بن علي يلدريم. أما الرئيس رجب طيب أردوغان، فأعاد تكرار موقف بلاده من هذه الخطوة «التقسيمية»، مشيراً إلى أنه سيبحث هذا الأمر مع رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الذي أعلن أوّل من أمس استعداد بغداد لـ«التدخل عسكرياً إذا أدّى الاستفتاء إلى العنف».
وقال أردوغان إن «أنقرة وبغداد متفقتان في الرأي بشأن الاستفتاء الذي سيقسم العراق»، مشدّداً على «ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي العراقية». وأضاف «سأجتمع مع بعض رؤساء الدول والحكومات، بمن فيهم رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب».
بدورها، جدّدت طهران تحذيرها أربيل من أي خطوةٍ تمهّد لتقسيم العراق، إذ أكّد أمين «المجلس الأعلى للأمن القومي» علي شمخاني أن «المنافذ الإيرانية مع الإقليم ستغلق في حال إجراء الاستفتاء»، معتبراً أن إجراءه «يشكّل نهاية للاتفاقات الأمنية والعسكرية مع هذا الإقليم». وتابع أن «الفرصة لا تزال سانحة أمام مسؤولي الإقليم للاستجابة للمبادرات الخيرة»، والتي تهدف إلى «تأمين مصلحة الشعب الكردي ودولة العراق».
وبالعودة إلى توصيفات القوى العراقية لمسألة الاستفتاء، أطلق الرئيس العراقي فؤاد معصوم مبادرة للحوار بين الزعماء السياسيين للتوصل إلى حلول ملموسة وعاجلة تكفل تجاوز الأزمة التي أحدثها الاستفتاء، في وقتٍ أكّد فيه نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، أن بغداد «لن تسمح بقيام إسرائيل ثانية شمال العراق»، أثناء استقباله السفير الأميركي في بغداد، مؤكّداً أن «الاستفتاء غير دستوري ولا يصبّ في مصلحة الشعب العراقي عامة ولا صالح الكرد خاصة». بدوره، أشار زعيم «تيار الحكمة الوطني في العراق»، عمار الحكيم، إلى أن «أزمة الاستفتاء ستحمل مفاجآت في الساعات المقبلة»، لافتاً إلى أن «خيارنا هو إيقاف الاستفتاء والعودة إلى الحوار، ونأمل أن يؤدي الحراك السياسي في الـ72 ساعة المقبلة إلى مفاجآت تدرأ الخطر عن الجميع».
(الأخبار)