اسطنبول | تقود عائلة البرزاني النضال الكردي، السياسي منه والمسلّح، منذ سقوط جمهورية مهاباد وإعدام زعيمها قادر محمد، وهروب الملا مصطفى البرزاني إلى العراق، الذي كان تحت الإدارة البريطانية غير المباشرة في عهد الملك فيصل الثاني. مرّت الحركة الكردية بعد ذلك بمراحل مثيرة وضعتها تارةً في الحضن السوفياتي، وأخرى في الأميركي، وأحياناً الإيراني في عهد الشاه، العدو التقليدي لعراق ما بعد الجمهورية.
وعندما توفّي مصطفى البرزاني عام ١٩٧٩، حلّ محله نجله مسعود، لأسباب عشائرية، متزعماً الحركة الكردية منذ ذلك التاريخ، بدعمٍ من أشقّائه وأولاده وأولاد أشقائه وعددهم نحو ٣٠ شخصاً. ويتقلّد كل من هؤلاء منصباً مهمّاً في سلطة الإقليم، عسكرياً واستخبارياً وسياسياً، ومن دون إهمال الجانب الاقتصادي والمالي، إذ يقدّر الإعلام الكردي حجم الفساد الذي طال هذه العائلة بنحو مئة مليار دولار بعد اكتشاف البترول والغاز الطبيعي في الشمال العراقي، وهو ما أدّى إلى انتقادات عنيفة من أحزاب المعارضة وفئات الشعب المختلفة التي تتعاطى مع مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فعال جداً.
قرار البرزاني بالاستفتاء جاء من دون أن يستشير أحداً، ولا حتى البرلمان المعطّل منذ عامين، ما يثير سلسلة من النقاشات الجديدة في الشمال العراقي. فالبرزاني لم يعد رئيساً لإقليم كردستان العراق منذ آب ٢٠١٥ بعدما شغل هذا المنصب لفترتين دستوريتين منذ ٢٠٠٥، وتم التمديد له لسنتين أيضاً بسبب الخلاف بينه وبين أحزاب المعارضة، وأهمها حزب «التغيير» الذي انشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني. وطالب «التغيير» (٢٤ مقعداً) ومعه «الاتحاد الوطني» (١٨ مقعداً) اللذان كانا يملكان الأغلبية في البرلمان، بتغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني، وإلا فلا بد من الحد من صلاحيات الرئيس كما هي الحال بالنسبة إلى النظام الرئاسي في بغداد، مع العلم بأن الدستور الفيدرالي العراقي يمنع سنّ أي قانون في كردستان العراق يتناقض مع الدستور العراقي.
ورفض البرزاني هذا الاقتراح وعطّل اجتماعات البرلمان ومنع رئيسه يوسف محمد من دخوله، كما منعه من دخول أربيل من السليمانية. وهو ما أدى إلى تعطيل البرلمان لمدة عامين حتى العشرين من الشهر الماضي، حين أمر البرزاني بعقد جلسة خاصة للتصويت على قراره الخاص بالاستفتاء. وحضر الجلسة ٦٥ عضواً من أصل 111، منهم ٣٨ من أعضاء حزبه (الديموقراطي الكردستاني) وعشرة من أصل ١٨ من الاتحاد الوطني، والآخرون من الأحزاب الإسلامية. وتحدث الإعلام الكردي المعارض آنذاك عن نجاح البرزاني في استمالة العديد من قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني، مستغلاً مرض زعيمه جلال طالباني وتعيين نجله وزيراً، حاله حال نجل نائب طالباني في الحزب كوسرت رسول وآخرين من الذين حصلوا على امتيازات مالية وسياسية.
وجاء قرار البرزاني بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مفاجئاً للجميع، وهو ما اعتبره كثيرون تكتيكاً ذكياً منه، فهو يخطط لهدفين أساسيين بعدما اقتنع بأن الأجواء السياسية المشحونة بالشعور القومي بسبب الاستفتاء ستساعده على تحقيق واحد منهما:
أولاً، يريد لحزبه أن يحقق انتصاراً ساحقاً في البرلمان بعدما انتهى "الاتحاد الوطني" بوفاة زعيمه جلال طالباني وانشقاق برهم صالح عنه وتشكيل تحالف جديد سيتنافس على وريث طالباني مع حركة التغيير التي سبق لها أن انشقت عن الاتحاد، وليبقى ما تبقى منه مع البرزاني العدو التاريخي والتقليدي لهم وللطالباني.
ثانياً، يخطط البرزاني لأن يبقى رئيساً لإقليم كردستان بأغلبية ساحقة ليدعم شرعيته المفقودة أو يتنازل عن هذا المنصب لأحد من عائلته أي رئيس الوزراء نشيروان مصطفى ليبقى هو "الأب الروحي للشعب الكردي" في إطار منصب جديد هو رئيس مجلس القيادة السياسية، وهو بمثابة المنصب الأعلى في الإقليم. يريد البرزاني ذلك وربما لاحقاً رئيساً للجمهورية العراقية في حال المصالحة مع بغداد، وقد يحل محل الرئيس الحالي فؤاد معصوم في انتخابات ٢٠١٩. ويعترض الكثير من الأكراد على مخططات البرزاني ومشاريعه، باعتبار أن منصب الرئيس هو من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني وفق الاتفاق السياسي بين جميع الأطراف العراقية التي أجبرها الحاكم الأميركي بول بريمر على ذلك بعدما صاغ دستور العراق الفيدرالي وأبقى قضية كركوك وأمثالها معلقة، حتى يأتي اليوم الذي يتشجع فيه الأكراد على الانفصال بدعم أميركي وإسرائيلي، تماماً مثلما يحصل الآن، وذلك بعدما اعترف أكثر من مرة بأنه ارتكب العديد من الأخطاء... دفع ثمنها العراق بأكمله!