ضربت السعودية إعلان الأمم المتحدة عرض الحائط، ناسفةً الهدنة الإنسانية منذ الساعات الأولى لدخولها حيز التنفيذ، منتصف ليل الجمعة ــ السبت. لم يوقف التحالف الذي تقوده الرياض عملياته الجوية ضد الأراضي اليمنية، بل صعّد وتيرتها في بعض المناطق، فيما تجاوز الخروق التي شهدتها هدنة الأيام الخمسة السابقة. الهدنة التي انتظرها اليمنيون حتى يتسنى لهم تسلم المساعدات من المنظمات الدولية ليست سوى حبر على ورق، حتى الآن. فبرغم وصول عدد من سفن المساعدات التي تركز على السلع الغذائية والأدوية، يصعب التنقل على الناس في ظلّ استمرار القصف والقتال في معظم المحافظات.

وفيما رحب المتحدث باسم الجيش اليمني، العميد شرف لقمان، بالهدنة الإنسانية وبإيقاف الأعمال العدوانية، بدّد المتحدث العسكري باسم التحالف، أحمد عسيري، الآمال في صمود الهدنة، فقد أعلن عسيري أن قيادة التحالف «لم تتلقَّ أي طلب رسمي للهدنة»، مؤكداً في تصريحات صحافية أن التحالف «غير معني بهدنة من طرف واحد، وأن الأمم المتحدة لم تنسق مع قيادة التحالف».
قُتل عشرات بقصف
طاول المحافظات اليمنية
في اليومين الماضيين

هذه التصريحات جاءت عقب إعلان الأمم المتحدة أن الأطراف اليمنية بلغتها نية التزام الهدنة، ما يشي مجدداً بنكث الرياض وفريقها بتعهداتهما للمجتمع الدولي في ما يخص الأزمة اليمنية من جهة، وبخلافٍ بين الرياض وبين الأمانة العامة للأمم المتحدة لا يلبث أن يتضح يوماً بعد يوم.
في هذا الوقت، دعت حركة «أنصار الله» مجدداً إلى وقف الغارات الجوية وفك الحصار عن اليمن قبل حلّ المسألة السياسية. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحركة، محمد عبد السلام، فور عودته مع وفد الحركة من العاصمة العمانية مسقط ــ التي كانت تحتضن مشاورات بشأن الأزمة اليمنية ــ أن «كل ما جرى طرحه في تلك المشاورات (في سلطنة عُمان)، هو وقف العدوان كلياً وفك الحصار، حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، ثم تحل المسألة السياسية»، مشدداً على «أهمية الحوار لإيجاد حلول للمشكلات السياسية». وشدد عبد السلام، عبر موقع «فايسبوك»، على أنه سيطلع قيادة الحركة على «مجمل المباحثات التي تمت والأفكار التي طرحت».
وخلال الأيام الأولى للهدنة المفترضة، واصل التحالف قصفه على امتداد المدن والمحافظات اليمنية، مركزاً عملياته على مناطق في العاصمة صنعاء، ومدن لحج والضالع وتعز وعدن في الجنوب، حيث أكد سكان محليون وقوع مواجهات بين الجيش واليمني و«اللجان الشعبية» من جهة، وبين المجموعات المسلحة المؤيدة للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى.
واحتدم القتال في مدينة تعز وفي محافظة مأرب وسط قصف عنيف متبادل بالمدفعية بين الطرفين، في وقتٍ ساندت فيه طائرات العدوان المجموعات المؤيدة لها في هاتين المنطقتين. وأسفر القصف عن مقتل 12 شخصاً؛ بينهم طفلان، طبقاً لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، كما أصابت الغارات الجوية مستشفى عسكرياً في صنعاء، وشاحنات تحمل إمدادات عذائية في مدينة عدن.
وكان أعضاء مجلس الأمن قد دعوا جميع أطراف الأزمة إلى «الامتثال الكامل للقانون الإنساني الدولي، والعمل بشكل طارئ مع الأمم المتحدة، والوكالات الإنسانية لتوصيل المساعدات إلى المحتاجين في أنحاء البلاد»، في إطار تأكيد المجلس دعمه الهدنة الإنسانية «غير المشروطة».
وبالتزامن مع إعلان الهدنة، التي كان من المقرر استمرارها حتى نهاية رمضان الجاري أي بحلول 17 تموز، أعلنت منظمة الصحة العالمية، تكثيف نشاطها في اليمن، بالتعاون مع شركائها في العمل الصحي لتلبية بعض الاحتياجات الأكثر تهديداً للحياة. وأوضحت المنظمة، في بيان أول من أمس، أنها ستركِّز جهودها على توزيع المساعدات الإنسانية المُنقِذة للحياة في المواقع الأكثر احتياجاً في محافظات صنعاء، وعدن، والضالع، ولحج، وحجة، والمكلا، ومأرب، وصعدة وتعز.
وكان من المقرر أن تصل هذه المساعدات إلى أكثر من مليونين و300 ألف مستفيد خلال الهدنة (التقدير الأخير يشير إلى أن 21 مليون يمني من أصل 25 مليوناً هم في حاجة ماسة إلى المعونات)، على أن تشمل توزيع أدوية الطوارئ، ومجموعات الأدوات الصحية، وإمدادات طبية للمنشآت الصحية الرئيسية العاملة في هذه المحافظات، ومتابعة مرضى حمى الضنك والملاريا المنتشرين في عدن خصوصاً، فضلاً عن توزيع عبوات المياه على المناطق التي تستضيف نازحين، وتوفير مجموعات أدوات اختبار للمياه للسلطات المختصة في عدن.
في هذا السياق، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، أحمد شادول، إن الوضع الإنساني والصحي آخذ بالتدهور، مضيفاً إنه في بعض المحافظات مثل عدن، لم يَعُد بمقدور الكثير من الناس الحصول مباشرةً على الطعام والوقود والرعاية الطبية ومياه الشرب النظيفة.
على المستوى الدبلوماسي المواكب للأزمة، وقع رئيس الحكومة المستقيلة، خالد بحاح، يوم أمس، مع الحكومة المصرية عدداً من الاتفاقات في مجال العمل المشترك بين البلدين، أبرزها متعلق بـ«مكافحة الإرهاب». وعلى هامش اختتام أعمال الدورة الثامنة لـ«اللجنة العليا المصرية اليمنية المشتركة»، أثنى بحاح الذي توجه من الرياض إلى العاصمة المصرية لبحث الأزمة، على «دعم مصر للشرعية في اليمن، وجهودها في الحفاظ على الوحدة اليمنية واستقلالها، ورفض أي تدخل في شؤونها أو فرض أي أمر واقع بقوة السلاح، واعتبار الحوار والحل السلمي هما البوابتان الرئيسيتان للخروج من إنهاء الأزمة».
إلى ذلك، استهدفت طائرة أميركية من دون طيار عناصر تابعين لتنظيم «القاعدة» في مدينة المكلا في محافظة حضرموت، ما أسفر عن مقتل أربعة مسلحين يفترض أنهم تابعون للتنظيم.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)