نقل توقيع أطراف وازنة ضمن المشهد الليبي، بالأحرف الأولى على اتفاق مبدئي رعته الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وإنهاء القتال، الأزمة الليبية إلى واقع جديد، رحبت به دول إقليمية مهمة مثل مصر، وأخرى غربية مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا.ويضع الاتفاق، الذي رعاه المبعوث الأممي برناردينيو ليون، والذي وُقّع بغياب «المؤتمر الوطني العام» (الذراع التشريعية للسلطات الحاكمة في العاصمة طرابلس)، البلاد على طريق طويلة وشاقة قبل الوصول إلى حل نهائي للصراع الذي جعل دولة «ما بعد القذافي» دولتين، أو على الأقل حكومتين.

وبرغم غياب «المؤتمر العام»، فإنّ ذلك لا يغلق الباب أمام إجراء تعديلات على نص الاتفاق الموقع عليه، لسببين رئيسيين: الأول أنّ التوقيع بالأحرف الأولى يعني القبول المبدئي بالنص، لذا فهو ليس النص النهائي، والثاني أنّ احتمال إدخال تعديلات لا يزال وارداً نظراً إلى أنّ الملاحق المرتبطة بنص الاتفاق لم ينته إعدادها بعد. حتى إنّ البعثة الأممية أعلنت إرجاء مناقشة النقاط الخلافية إلى حين مناقشة الملاحق المرتبطة بهذا الاتفاق، وذلك في جولات جديدة ستعقد بعد عيد الفطر.
ممثل عن «المؤتمر»: لا
أفهم سبب الاستعجال قبل موافقة كل الأطراف

وكان «المؤتمر» قد أعلن منذ الثلاثاء الماضي رفض مسودة الاتفاق (وهي الرابعة) المقدّمة من ليون، وذلك لـ«غياب نقاط جوهرية» فيها، مؤكداً برغم ذلك استعداده للمشاركة في جلسات جديدة للحوار في المغرب. وفي رسالة موجهة إلى المبعوث الأممي قبيل توقيع الاتفاق، مساء أول من أمس، أوضح رئيس «المؤتمر»، نوري أبو سهمين، أن «المؤتمر الوطني» مستعد لإرسال وفده من جديد للمشاركة في جولات للحوار، على أن يكون الهدف «تقديم التعديلات» التي يراها مناسبة، أو «بحث أسس وآلية جديدة».
وبغياب «المؤتمر» رسمياً، فقد حضر حفل التوقيع، في منتجع الصخيرات في المغرب، وفد برلمان طبرق المعترف به دولياً، وممثلون عن المجالس البلدية لمدن مصراتة وسبها وزليتن وطرابلس المركز ومسلاته، إضافة إلى ممثلين عن أحزاب سياسية، وكذلك عن المجتمع المدني ونواب مستقلين ومنقطعين.
وكانت مسودة الاتفاق تشمل ثلاث نقاط: حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة (أعلى جهاز استشاري يتولى إبداء الرأي الملزم في مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية) ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن. وفي حين كشفت عدة تصريحات أنّ الخلافات الرئيسية تدور حول آليات توزيع الصلاحيات وعمل «المجلس الأعلى»، فإن هناك نقطة مفصلية تتناول دور الجيش وآليات إعادة تشكيله، وكذلك دور اللواء خليفة حفتر.
وبغياب «المؤتمر العام»، كان بارزاً الدعم الضمني الذي قدّمه حزب «العدالة البناء» (أبرز الأطراف السياسية في طرابلس) للاتفاق الموقع، برغم التحفظات. وظهر ذلك في الرسالة التي وجهها رئيس الحزب، محمد صوان، إلى البعثة الأممية، مسجلاً تحفظات قال إنها مقترنة بتوقيعه المبدئي بالأحرف الأولى.
وفي حين قلّل المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، جوناثان وينر، من أهمية غياب «المؤتمر»، قائلاً إنه «ليس هناك سوى أربعة فقط من المندوبين هم الذين لم يوقعوا... هذه فرصة بالنسبة لهؤلاء الذين لم يوقعوا بالأحرف الأولى بعد على الاتفاقية أن يشاركوا»، أشار برناردينيو ليون إلى أنّ شيئاً لم ينته بعد. وقال ليون إن «اتفاق الصخيرات سيضع حداً للصراع... هي خطوة واحدة فقط، لكنها مهمة جداً على طريق السلام»، موضحاً أن «الباب يبقى مفتوحاً لأولئك الذين اختاروا أن لا يكونوا هنا الليلة، برغم أنهم لعبوا دوراً حاسماً في تطوير هذا النص».
أيضاً، قال بيان رسمي صادر عن البعثة الأممية إن «قبول أحد الأطراف للاتفاق مع تقديم تحفظات محددة، أمر متعارف عليه، ويحفظ للأطراف حقهم في الاستمرار في التفاوض حول تلك التحفظات حتى التوقيع النهائي وإقرار الاتفاق».
عموماً، فإنّ غياب «المؤتمر» واكبه تساؤل مهم، أشار إليه ممثله في المغرب، موفق حواس، حينما قال إنه لا يفهم في حقيقة الأمر «سبب التعجل في التوقيع قبل موافقة كل الأطراف».
في المقابل، ربما تقدّم ردود الفعل الدولية المرحبة بالتوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى عناصر إجابة مقنعة لناحية أنها قد تشير إلى التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الإقليمية والدولية الفعالة في ليبيا حول ضرورة إنهاء الأزمة. فإضافة إلى الموقف الأميركي الذي عبّر عنه مبعوثها، اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، أمس، أن «اتفاق الساعات الأخيرة حول ليبيا» يمثّل «مرحلة مهمة في الجهود لإرساء الاستقرار في المنطقة وإعادة السلام إلى هذا البلد الكبير». كما تزامن ذلك، مع إعلان مصر أنها «تحيي الموقف الإيجابي والشعور بالمسؤولية الذي تحلى به المشاركون في الحوار»، مشيرة في بيان للخارجية المصرية إلى أهمية مرحلة تنفيذ الاتفاق وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)