لم تكن الولايات المتحدة الأميركية، قبيل عام 2014، تواجه بالغ صعوبة في النفاذ إلى اليمن؛ ذلك أن النظام الذي كان قائماً، بوجهَيه الأصيل (قبيل 2011) والبديل (عقب 2011)، لم يحل بينها وبين أداء المهمات «الاستراتيجية والحيوية» لما تسميه «أمنها القومي» و«الأمن العالمي» على الأراضي اليمنية (ضربات الطائرات من دون طيار، الحضور في القواعد العسكرية وعلى السواحل)، لكن ما كان يتطلب اتفاقيات «بيروقراطية» وجهداً استخبارياً وبشرياً وحملات إعلامية دورية لـ«تلميع الصورة» بات أيسر بكثير بـ«فضل» الحليف الإماراتي المسيطر على جنوب اليمن، بل إن «الرجل القوي» في أبو ظبي، كما تسميه الصحافة الغربية، أوصل واشنطن إلى حيث ما لم تكن تحلم به حتى إبان عهد الرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
يبدو الأمر أشبه ما يكون بقضية شركة «بلاكووتر» والشركات الخاصة الأخرى التي استعانت بها الولايات المتحدة، عقب غزوها للعراق عام 2003. أرادت الإدارة الأميركية، من وراء ذلك، تقليص كلفة عملياتها في بلاد الرافدين والتخفف من الأعباء «الأخلاقية» التي تلاحقها جراء تلك العمليات. اليوم، يتكرر السيناريو نفسه، إنما على أرض عربية أخرى هي جنوب اليمن، وبأدوات عربية هذه المرة بدلاً من الكولومبية والجنوب أفريقية.

الوجود الأميركي
الأبرز والأكثر
دلالة هو في
جزيرة سقطرى

في حربها «المفترضة» ضد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، تستعين الولايات المتحدة، راهناً، بالإماراتيين، الذي شكلوا لهم جهازاً استخباراتياً بالغ القوة والنفوذ في المحافظات الجنوبية. يتولى هؤلاء عملية تجنيد العملاء داخل تنظيم «القاعدة»، وكذلك عملية زرع «الشرائح» التي يُستهدَف من طريقها عناصر التنظيم بضربات الطائرات من دون طيار، والتي كان آخرها مطلع الشهر الحالي، حيث استهدفت ضربة «درون» القيادي في «أنصار الشريعة»، صلاح الجوهري، في منطقة يافع في محافظة لحج دون أن تتمكن من قتله.
إلى جانب ما تقدم، يعتمد الأميركيون على الإماراتيين في المعلومات اللازمة لتنفيذ «إنزالاتهم» ضد مقارّ قيادات في تنظيم «القاعدة» يرون أن بقاءها «تهديد استراتيجي» لهم (وفق التعريف الأميركي لمصطلح التهديد). هذا ما حدث في محافظة البيضاء، قبل أشهر، عندما استهدف إنزال أميركي، بمشاركة قوات خاصة إماراتية، منزل قيادات من «القاعدة» في منطقة يكلا، وما تكرر في آذار/ مارس الماضي في محافظة أبين، حيث استهدف إنزال مماثل مواقع للتنظيم في منطقة موجان.
أكثر من ذلك، يتكئ الأميركيون، في عملية الاستدرار المباشر للمعلومات (الاستجواب والتحقيق والتعذيب)، على العصا الإماراتية أيضاً، سواء في السجن الرئيس لـ«التحالف العربي» في مديرية البريقة في مدينة عدن، أو في سجن الريان بمدينة المكلا. اتكاء يحقق لواشنطن هدفين متصلين في آن واحد: استحصال ما يرضي هوسها بالتجسس، ولو أدى الأمر إلى ظلم أبرياء (تماماً مثلما كان يحدث في غوانتانامو)، والهروب من وجه العدسة اللاقطة لانتهاكات حقوق الإنسان (وهو ما يتحقق لها فعلاً؛ إذ تتركز اتهامات المنظمات الدولية على الدور الإماراتي في التعذيب الوحشي للمعتقلين).
على خط موازٍ، يدور الحديث عن مشروع تديره الإمارات في عدن لتبيّن نوعية الأسلحة المستخدمة ضد قواتها في جبهات الوسط والشمال، وتحديداً الساحل الغربي. إذ تحاول أبو ظبي التعرف إلى السبب الكامن وراء عدم تمكن منظومة الـ«باتريوت»، فخر الصناعة الأميركية، من اعتراض صواريخ «أنصار الله»، ولا سيما في جبهة المخا (يُنقَل حطام الصواريخ إلى عدن ومن ثم تفحصه هناك)، والتثبت مما إذا كانت تلك الصواريخ روسية وكورية أو أنها إيرانية الصنع. وبالنظر إلى الهدفين المذكورَين، لا يستبعد أن يكون للولايات المتحدة دور في ذلك المشروع، خصوصاً أن بنك أهداف صواريخ «أنصار الله» اتسع، أخيراً، ليشمل أبو ظبي، وإن كان هذا التطور لم يأخذ نصيبه من الاهتمام بفعل التكتّم الأميركي والإماراتي.
على مستوى الحضور العسكري المباشر، يبرز العنصر الأميركي في المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، تحت ستار دعم القوات الإماراتية والتشكيلات المحلية في مواجهة تنظيم «القاعدة». قبل نحو سنة ونصف سنة، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إرسال ما قالت إنه «عدد صغير جداً» من الجنود الأميركيين إلى مدينة المكلا الساحلية (حيث يقع ميناء المكلا، أحد الميناءَين الوحيدَين في محافظة حضرموت المطلَين على بحر العرب)، لدعم الحملة الهادفة إلى «تحرير» المدينة من عناصر التنظيم. وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلن البنتاغون مشاركة قوات أميركية خاصة في ما وُصفت بأنها حملة لـ«تطهير» محافظة شبوة من عناصر «القاعدة»، بقيادة الإمارات، وذراعها المحلية، «النخبة الشبوانية». واللافت في الحملة الأخيرة أنها تركزت على المناطق الساحلية حيث تقع المنشآت الحيوية كمنشأة بلحاف لإنتاج الغاز المسال، و3 موانئ (المجدحة والبيضاء وقنا)، بإمكانها، إذا ما اتصلت بمواقع أخرى على البحر العربي والمحيط الهندي، تشكيل بديل من مضيق هرمز.
أما الوجود الأميركي الأبرز والأكثر دلالة، فهو في جزيرة سقطرى، التي تشكل مطمحاً متقادماً للولايات المتحدة. بحسب المعلومات الواردة من الأرخبيل، فإن عمليات شراء الأراضي التي تقودها الإمارات، وتحديداً في منطقة حجهر ذات الأهمية الاستراتيجية، مستمرة على قدم وساق، ما يشير إلى إمكانية تحول هذه المنطقة إلى قاعدة عسكرية أميركية، خصوصاً أن الأميركيين يرافقون الإماراتيين في معظم تحركاتهم طبقاً لمصادر محلية. ووفقاً للمعلومات، فإن منطقة حجهر تُعدّ أكبر مرتفع جبلي في سقطرى، ولذا فإن السيطرة عليها تضمن سيطرة نارية على الممر الدولي للملاحة البحرية بين شرق آسيا وأفريقيا، وكذلك التحكم بأربعة مضائق رئيسة هي هرمز وباب المندب والسويس وملقا.