ما نقلته مجلة «فورين بوليسي» عن مسؤولين أميركيين، وفيه قولهم إنّ «الغارات الحدودية والهجمات الصاروخية التي يشنها الجيش واللجان الشعبية اليمنية أفقدت السعوديين أعصابهم»، ليس جديداً، فمنذ استوعب اليمن الهجمات الجوية الأولى على قواته وشعبه، وتخطت الحرب الشهور الأولى، على غير توقع قادة الولايات المتحدة والسعودية، حتى صارت الحرب كابوساً يقلق أمراء آل سعود، ولا سيما أن العمليات العسكرية منذ أكثر من سنتين تسير في دائرة مغلقة من دون أي أمل في تحقيق أي نتائج عسكرية، مع الإشارة إلى أن العمليات على الجبهات كافة صارت مكررة عشرات المرات. أيضاً، يترافق هذا الإخفاق العسكري مع انسداد محكم للمسار السياسي.
كذلك، إن المصطلحات والتوصيفات العسكرية (التعريفية والتنظيرية) لتلك الحرب استنفدت أغراضها وأصبح تداولها مكرراً ومعترفاً به من الطرفين المتحاربين، والأمر نفسه في التوصيف العالمي للحرب. وصارت مصطلحات: المستنقع، الوحول، الرمال المتحركة، حرب الجبال، حرب العصابات، الاستنزاف، تطلق كتعبير طبيعي عن المأزق المقلق التي أوقعت السعودية نفسها فيه. من جانب آخر، لا يخفي الكتّاب والخبراء السعوديون رأيهم بأن الحرب مع اليمن مصيرية وتأثيرها كبير في مستقبل بلدهم، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، باعتبار تأثيرها يطاول الأمن القومي السعودي وبوصفها «الحرب الوجودية» للمملكة.
ما نقلته المجلة عن المسؤولين الأميركيين عُبّر عنه بالهستيريا والغضب والحنق من المسؤولين عن قيادة الحرب الذين أطلقوا العنان لآلة القتل الجماعي والمجازر المتنقلة في المساجد والأسواق والمستشفيات والصالات والمدارس، غير آبهين لتشويه صورة بلادهم في الخارج وتلويث سمعتها في المحافل الدولية، بل وصل الأمر بالدول الغربية الداعمة للحرب، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى أن وقفت محرجة أمام الصلف السعودي ورفعت عن الرياض الغطاء في الأيام الأخيرة بإدراج اسم التحالف التي تقوده في «القائمة السوداء في قتل الأطفال» الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة، علماً بأن الذراع الديبلوماسية للرياض مدعومة من واشنطن نجحت بشطب اسمها العام الماضي عن القائمة نفسها.
وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الأميركيون للمجلة بالقول: «أثار التحالف العسكري الذي تقوده السعودية غضباً دولياً بعد تسببه في مقتل مئات المدنيين في غارات جوية تائهة». وبشأن أصل الموضوع الذي سلطت عليه الضوء «فورين بوليسي»، ونشرته الخميس الماضي، أنّ السعودية تستعد لإرسال وحدة مروحية جديدة من قوات «الحرس الوطني» بتدريب وإمداد أميركي للقتال على طول حدودها الجنوبية مع اليمن، وذلك في خطوة تصعيدية وسط استمرار زحف «أنصار الله» إلى الحدود السعودية وفق تعبيرها، وذلك يدخل في إطار الحرب النفسية على اليمن.
السبب في ذلك أن «الحرس الوطني» السعودي شارك بعدد من ألويته منذ الشهر الأول للحرب بأمر من الملك سلمان، وقيل يومذاك إن القرار الملكي هو اختبار لطاعة الأمير متعب بن عبد الله في مبايعة نجله محمد بن سلمان الذي كان آنذاك نائباً لولي العهد. وبالفعل، نجح الأمير متعب في الاختبار وأرسل قواته إلى ما يسمى الرباط في الحد الجنوبي.
وفيما رأت المجلة الأميركية الخطوة السعودية نذر تصعيد جديد في الحرب التي تقودها المملكة ضد «أنصار الله» منذ نحو عامين ونصف، أكدت تقارير صحافية متطابقة أن «الحرس الوطني» شارك في الأسبوعين الأخيرين بعدد من الهجمات على مقاتلي الجيش واللجان الشعبية المتوغلين داخل الأراضي السعودية بمشاركة كثيفة من الطائرات الحربية والمروحية. ولاحظ المراقبون النَّفَس الأميركي في إدارة تلك العمليات، لكن الجيش واللجان استطاعوا استيعاب الهجمات السعودية وعمدوا إلى عمليات معاكسة أوقفت تقدم «الحرس» الذي عمد بدوره إلى بناء تحصينات دفاعية على طول الجبهة.
أما جديد المجلة، فهو الاعتراف العلني بأن «الحرس الوطني» الموجود أصلاً في الحد الجنوبي سيتلقى الإمداد الأميركي على طول الحدود، وهذا يثبت أن المساعدة الأميركية للنظام السعودي ليست مقتصرة على تزويد طائرات التحالف في الجو، وتقديم المعونة الاستخبارية، ووجود خبراء في غرف العمليات الجوية لتحديد الأهداف، بل تعداه إلى المشاركة البرية الفعلية تحت حجة الدفاع عن حدود المملكة الجنوبية، ولا سيما أن المجلة نقلت عن المسؤولين الأميركيين أن «مهمة الحرس دفاعية وليست لأغراض هجومية».
أيضاً، أضافت «فورين بوليسي» أنّ عدة مسؤولين عسكريين أميركيين أعربوا منذ مدة طويلة عن قلقهم حيال قدرة الطيارين السعوديين على تحديد الأهداف وتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، مضيفة أنه في آذار الماضي أطلقت «أباتشي» سعودية النار على قارب مليء بالمهاجرين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 40 شخصاً.
وبالنسبة إلى السعوديين، فإن هدف الانتشار الجديد لـ«الحرس الوطني» وقف تمدد المعارك إلى ما وراء الحدود، وفق مسؤول عسكري أميركي قال إن المسألة مسألة أمن حدود لا أكثر، وهم لا يريدون المضي أبعد من ذلك. وهذا دليل واضح على أن دفاعات الجيش السعودي الأقوى تسليحاً في الإقليم أوشكت على السقوط، وأن الخشية الأميركية من الإخفاق السعودي الكبير تزداد، الأمر الذي دفع المسؤولين الأميركيين إلى توجيه إنذار عبر «فورين بوليسي» من الوقوع في صدمة الانكسار من جهة، وفي محاولة لاستعادة الثقة بالقوى المسلحة السعودية المدعومة أميركياً من جهة أخرى. وقد بيّنت المجلة الأميركية أنّ انتشار «الوطني» يمثل توسعاً بعد أن كانت مهمته الرئيسية مقتصرة على حماية العائلة المالكة والمنشآت النفطية وتأمين مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة.