غاب عن يوم مدينة الرقة الأول بعد «التحرير» أهلها وسكانها، الذين هجّرتهم المعارك إلى المخيمات، فيما فشل من بقوا منهم على أطرافها في تفقد منازلهم، بعد منعهم من دخولها. فالقوات التي سيطرت على المدينة كشفت عن خوفها من «الخلايا النائمة»، وبررت منعها دخول المدنيين بـ«استمرار الإجراءات الأمنية».
وبينما يبدو أن أغلب وحدات «قوات سوريا الديموقراطية» التي شاركت في معارك أحياء الرقة الأخيرة، تستعد لتغادرها نحو جبهات ريف دير الزور الشرقي، أعلنت قيادة «قسد» أن قوات «أمن محلية» ستتولى مهمات إعادة الاستقرار في المدينة. وبدا لافتاً أمس، أن «الأسايش» (قوات الأمن الداخلي الكردي) دعت في بيان، المدنيين إلى «عدم دخول المدينة إلى حين تطهيرها من مخلفات الإرهاب، كالعبوات الناسفة والألغام المتفجرة... وذلك حرصاً على سلامة الأهالي». وقالت إن المنع سارٍ حتى خلوّ المدينة «من كل ما يشكل خطراً على السلم الأهلي». ومن جهته قال المتحدث باسم «التحالف الدولي»، ريان ديلون، لوكالة «فرانس برس»: «نعتقد أن هناك جيوباً صغيرة لا تزال موجودة في المدينة، مع مواصلة (قوات سوريا الديموقراطية) عمليات التمشيط».

أكدت دمشق
وطهران رفضهما الوجود العسكري الأميركي في سوريا

ولا يظهر أن «الحرص» الأميركي على «أمن» الرقة وأهلها، سيؤثر بتحركاتها على باقي الجبهات، فقد أوضح المتحدث باسم «قسد» طلال سلو، أن «النصر» سينعكس «إيجاباً» على سرعة العمليات في ريف دير الزور. كذلك تبدو خطط واشنطن لـ«إعادة أعمار» المدينة جاهزة، إذ أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نورت، أن «الولايات المتحدة وحلفاءها استعدوا للخطوات المقبلة... وسنواصل العمل مع شركائنا لتقديم المساعدة الإنسانية ودعم جهود الاستقرار في الرقة وغيرها من المناطق المحررة»، مضيفة أن ذلك سيشمل «شبكات المياه والكهرباء وغيرها». وضمن هذا الصدد، نقل ناشطون متابعون للاجتماعات التي عقدت في بلدة عين عيسى، بين المبعوث الأميركي إلى «التحالف الدولي» بريت ماكغورك، وعدد من المجالس المحلية في مناطق سيطرة «قسد»، أن السعودية التي حضر أحد مسؤوليها (ثامر السبهان) ستلعب دوراً مهماً في عملية تمويل إعادة الإعمار.
وفي مقابل النشاط الأميركي في الرقة، يتابع الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم في محيط مدينة دير الزور، وباتجاه محطة «T2» في أقصى جنوب دير الزور. فعلى الضفة الشمالية لنهر الفرات، مقابل أحياء دير الزور، ثبّت الجيش نقاطه في منطقة إصلاح الحسينية ومعمل الورق، وتقدمت باتجاه قرية الجنينة. وبالتوازي، تابعت القوات عملياتها في منطقة حويجة صكر، في محاولة لحصار التنظيم داخل أحياء المدينة السكنية فقط.
وبينما شهدت الجبهات القريبة من مدينة الميادين هدوءاً نسبياً مقارنة بالأيام القليلة الماضية، تقدم الجيش انطلاقاً من محيط بلدة حميمة على حدود محافظة دير الزور الجنوبية المشتركة مع حمص. وتمكن من التقدم لمسافة نحو 5 كيلومترات، على جانبي الطريق الموصل إلى محطة «T2». ويأتي تحرك الجيش بعد هجوم عنيف نفذه تنظيم «داعش» أول من أمس، على نقاط الجيش القريبة من هذا المحور في محيط سد الوعر. ويعيد هذا التحرك خطط التقدم نحو البوكمال، التي أصبحت أحد أبرز الأهداف الباقية في الشرق السوري، إلى جانب إمكانية حصار جيب «داعش» الممتد نحو الأطراف الشرقية لبلدة السخنة.
وفي موازاة هذه التطورات، شهدت العاصمة دمشق زيارة لافتة لرئيس الأركان العامة الإيراني، محمد باقري، التقى خلال يومها الأول كلاً من نظيره السوري علي أيوب ووزير الدفاع فهد جاسم الفريج. ويفترض أن يقابل باقري، الرئيس بشار الأسد خلال هذه الزيارة، وفق ما نقلت وسائل الإعلام الإيرانية. وإلى جانب تشديد باقري ومضيفيه على أهمية تعزيز التعاون في كافة المجالات، ولا سيما ضد العدو الإسرائيلي والجماعات الإرهابية، فقد أكدوا رفض الوجود العسكري الأميركي في سوريا، الذي يعمل على «عرقلة تقدم قوات الجيش وحلفائه التي تحارب الإرهاب... إما بالتدخل المباشر أو بدعم ميليشيات وقوى ارتهنت لمشيئتها أو بالإيعاز إلى أدواتها الإرهابية من (داعش) و(جبهة النصرة) وغيرهما بغية إطالة أمد الحرب».
وتبدو زيارة باقري لافتة من حيث التوقيت، ولا سيما أنه أجرى محادثات مطولة مع الجانب التركي قبيل دخول القوات التركية إلى مناطق في ريفي حلب وإدلب، ولا سيما أن دمشق أبدت اعتراضها على التحركات التركية التي رأت أنها تخالف مخرجات محادثات «أستانا». وضمن سياق متصل، بدا لافتاً أن تركيا التي طوّقت منطقة عفرين في المرحلة الأولى لتدخلها العسكري، أعادت فتح معبر باب الهوى للحركة المدنية والتجارية، وتعمل الآن على تثبيت «محارس حدودية» مقاومة للرصاص في محيط المناطق بين إدلب ومنطقة الريحانية (داخل لواء اسكندرون). كذلك تعمل الوحدات العسكرية المنتشرة قرب النقاط الحدودية، برفع سواتر ترابية لحماية قطع المدفعية والمدرعات المتمركزة هناك.
(الأخبار)