■ بداية، كيف تقرئين مواقف رئيس الوزراء حيدر العبادي، وخطواته في سياق إدارته للأزمة مع أربيل؟أقسم العبادي أن يحافظ على وحدة البلد، ولكونه رئيساً للحكومة الاتحادية، لا يُعَدّ مُتفضّلاً على الشعب العراقي. عليه أن يقوم بواجبه الدستوري، فلا يستحق منّا أن نقول له شكراً، وحينما يتلكأ بأداء واجبه، علينا أن نحاسبه ونعاتبه.

وعلينا هنا أن نكون موضوعيين ومُنصفين، إذ منذ سقوط النظام البعثي (نيسان 2003) حتى اليوم، يواصل (رئيس اقليم كردستان)مسعود البرزاني في تجاوز بغداد، وهذه التجاوزات قد تراكمت في السنوات الأخيرة، نتيجة تساهل حكومة العبادي معه، وإنّ غياب المحاسبة جعله يتمادى أكثر.

■ الموقف الدولي كان رافضاً للاستفتاء، لكنّ البعض يؤكّد أن الموقف الأميركي، والفرنسي، والسعودي، والإماراتي، هو موقفٌ مزدوج. ما مدى صحّة هذا الكلام؟
حتى نكون واضحين، فإنّ جزءاً من تمرّد البرزاني يتحمّله الموقف الدولي. الكلّ تعامل مع مسعود، منذ سنوات، كرئيس كردستان ــ الدولة. يأتي وزير خارجية ليزور بغداد ويذهب مباشرةً ليزور أربيل. يجلسون مع رئيس الجمهورية، ثم يذهبون ليجلسوا مع البرزاني رأساً لرأس. وبالتالي تعاملَ المجتمع الدولي مع الأكراد في الملف النفطي مباشرةً، وسلّح «البشمركة» وموّلهم بمعزلٍ عن الدولة. كل ذلك، جعل البرزاني يستقوي بالدول التي ذكرتها.
الموقف السعودي واضح جداً، هو داعم للاستفتاء والانفصال. الموقف الإماراتي واضح جداً، فهو داعمٌ أيضاً. أما الموقف الأميركي المُعلن، فهو غيرُ داعمٍ، ولا أستطيع أن أجزم إن كان المَخفي داعماً أو لا.

■ قيل إنّ الحديث عن الاستفتاء توازى مع الحديث عن «أقلمة العراق». هل صحيحٌ ذلك؟ وهل هناك قوى تعمل لإنجاح هذا المشروع؟
سمعنا الكثير عن هذا الكلام. قد يكون للبرزاني الجزء الأكبر منه في سياق محاولاته لابتزاز بغداد للحصول على مكاسب أكثر. أما على أرض الواقع، فمن الصعب عليه إعلان دولة محيطها معادٍ لها (إيران وتركيا والعراق وسوريا). هناك أربع دول رافضة لهذه الدولة، الفاقدة لمنافذ حدودية والمحظورةً جوّاً، والعاجزة عن تصدير النفط. البرزاني ليس على هذه الدرجة من الغباء كي يبني دولةً اليوم. إنّ تفكيره بعيد المدى.
أما حراك بعض قوى المكوّن السني، فليس بجديد، والموضوع طُرح نظراً إلى أنّ الوضع في العراق غير مستقر.

لواشنطن أدواتها في
الحكم العراقي، ولإيران أدواتها
على الأرض
في البصرة طُرحت قضية الإقليم الشيعي؛ هذا الطرح ليس طرحاً من الإخوة السُّنّة فقط.
جزءٌ من هذا الكلام يُراد منه صنع قياداتٍ، إذ ليس كل السُّنّة مع الإقليم، وهم يعلمون أن هذا الإقليم سيكون فاقداً للموارد، وسيكون ضعيفاً. وبالتالي، إن الدعوات التي سمعناها هنا وهناك ليست جادّة.
■ إذا استثنينا «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، كيف تصفين مواقف بقية الأفرقاء الكردية؟
بعض القوى الكردية رفضت الاستفتاء والانفصال. جزءٌ من «الاتحاد الوطني» رفض؛ «التغيير» بشكلٍ عام رفض؛ الكيانات الصغيرة أيضاً رفضت. استطاع البرزاني أن يلعبها بذكاء، بحيث شدّ الجمهور الكردي.

■ برأيك، هل أدركت هذه القوى حجم خطورة مخططات البرزاني وخطواته؟
نعم، هم مدركون، ولذلك هم رافضون لقضية الاستفتاء. يعرفون أن من سيدفع الثمن هو المواطن الكردي، لذلك هم ضده. لكن مصادر القوة في الإقليم بيد البرزاني، وهم سكتوا عن ذلك لمدى سنوات. هو رئيس الإقليم، وابن أخيه رئيس الوزراء، والأمن بيده، والمال بيده، والموازنات بيده، والعلاقات الخارجية بيده، بالرغم من أنه ليس رئيساً للإقليم بموجب القانون. لكن بحكم العشيرة، وضع يده على مصادر القوة. أربيل بيد البرزاني، والسليمانية بيد «الاتحاد»، والاتحاد منقسم إلى جزأين.

■ هل ستجري الانتخابات النيابية في موعدها؟
ستجري على الرغم من سماعنا كلاماً عن تأجيلٍ تسعى إليه بعض الكتل السياسية. حتى الآن، تدفع الأمم المتحدة باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها، والمرجعية الدينية كذلك، والكثير من الكتل تدفع كي تقام الانتخابات في وقتها.
إنّ التأجيل يعني كسر الدستور، وإذا كُسر الدستور مرّة، فسيُكسر عشرين مرّة. هنا تكمن الخطورة في القضية، بمعنى أنّه لن تبقى قدسيّة لأي نص دستوري، لا في انتخابات مجلس النواب ولا في انتخابات مجالس المحافظات.

■ بصراحة، من هي هذه الكتل التي تلمّحين إليها؟
لا أحد يُعلن أنه مع التأجيل. لكنّ العمل الذي يجري في الساحة يعطيك انطباعاً معيناً. هناك بعض المعلومات عن أنّ بعض كتل المكوّن السُنّي كتبت للأمم المتحدة تطالب بتأجيل الانتخابات، لأن الظرف غير ملائمٍ كما يقولون.
أما العذر الباطن، فبعض الكتل، ومنها من ينتمي إلى المكوّن الشيعي، تسعى إلى تأجيل الانتخابات. الكتل التي تعتقد أنها لن تحصد مقاعد كبيرة، ووضعها غير مُهيّئ في الشارع تسعى إلى التأجيل، ويُضاف إليهم رئيس الوزراء أيضاً، وهو من أشدّ الداعمين لفكرة التأجيل، حتى وإن لم يُعلن ذلك. هذا ما يعمل عليه هو وكادره، حتى وإن لم يقل أنا ضد التأجيل. يطمحون إلى وقتٍ أكبر من أجل ترتيب أوراقهم، حتى يحصلوا على مقاعد.

■ هل اتضح شكل التحالفات؟ وهل صحيح ما يروّجه «الإعلام السعودي» عن تحالفٍ يجمع الصدر، وعلاوي، والعبادي، والحكيم؟
لا تزال هناك حوارات بين الكتل، وأغلبها حوارات ثنائية (تجري داخل كل مكوّن)... لم تُحسم الأمور بشكل قطعيّ. نسمع أنّ العبادي قد يكون مع المحور الذي ذكرته، وقد يدخل مع «دولة القانون» (بزعامة نوري المالكي) في الوقت نفسه.
بالعموم، الكل ينتظر أن يُمرَّر القانون الانتخابي، (للذهاب باتجاه) اتفاقات اللحظات الأخيرة.

■ على صعيد آخر، هل تنظرين إلى حراك «التيّار الصدري» وإلى تهديده الدائم بالعودة للمنطقة الخضراء في بغداد (للمرة الثالثة)، على أنه يندرج في سياق «ابتزاز الحكومة»؟
إما الديموقراطية، وإما شريعة الغاب، ليس هناك من منتصف.
أن نؤمن بأننا نعيش في دولة ديموقراطية يحكمها دستور وقانون، يعني أنّ علينا اللجوء إلى الآليات الديموقراطية، ويعني أنّ لدينا نوّاباً... وبإمكاني أن أترجم تطلعات الناس من خلال نوابي. نعم، يحق للمواطن أن يتظاهر، لكن الدستور يقول «التظاهر سلمي»، وللتظاهر السلمي شروط... إذا التزمنا هذه المعايير، عندها نكون في دولة ديموقراطية. أما إذا أردنا أن نفرض رأينا على الآخرين بالقوة، فهذه لم تعد ديموقراطية، وبإمكان أي طرف آخر أن يقوم بالشيء نفسه.

■ المعركة الأخيرة ضد «داعش» ستكون عند الحدود العراقية ــ السورية. برأيك هل ستقبل واشنطن أن تُجري بغداد تنسيقاً مع دمشق؟ أم أن «الفيتو» سيكون حاضراً؟
التوجه الأميركي واضح. لن يكون متساهلاً أو منفتحاً مع الجانب الإيراني، وبالتالي سينعكس ذلك عبر التوجيهات إلى العبادي، أو لنقل نصائح إذا لم نرد تسميتها بالتوجيهات. تلك النصائح ستنعكس بشكل أو بآخر، إذ إنّ أداء رئيس الحكومة واضح جدّاً بأنه تحت الخيمة الأميركية، وفي كثيرٍ من المواقف يبقى متردداً، وفي النتيجة يأتي الحسم من الجانب الأميركي.

■ هل ترين «العراق ما بعد داعش» في الخيمة الأميركية؟ أم في خيمة «محور المقاومة»؟
سيكون العراق ساحة صراعٍ في الفترة الأولى، والطرف الأقوى هو الذي سينتصر. أي من لديه أدوات أقوى، وللجهتين أدوات: الأميركيون في الحكم، والإيرانيون على الأرض. أمامنا الكثير من التحديات وسنواجهها، وستكون مرحلة صعبة، ولكنها لن تكون أصعب من «داعش»، فأسوأ مرحلةٍ مرّت على العراق هي فترة احتلال «داعش» للمحافظات.

■ يُنقل أن السعودية قد عادت بقوّةٍ إلى الميدان العراقي؟ صحيحٌ ذلك؟
السعودية تدعّم موقفها، وهي عائدة بقوّة من أجل تحجيم الدور الإيراني وليس حبّاً بالعراق. ولذلك نحن ضدّ هذا الانفتاح غير المُبرّر أمام السعودية، والمفرط. لا يمكن البوصلة السعودية أن تتغير بطريقة حادّة من عداءٍ، وقتلٍ، وذبحٍ، وفتاوى تكفيرية، وتمويلٍ للإرهاب، إلى دولةٍ مُحبّة تريد أن تنفتح على العراق وتدعمه وتخدمه، وتنزل بكل قوتها في الساحة العراقية. من المؤكّد أنّ هذا النزول وراءه هدف وأجندة. كان من المفترض لحكومتنا أن تكون واضحة مع السعودية. نعم، نرحّب بعلاقة مع كل الأطراف، وليس فقط مع السعودية، لكن بعد أن تُكشف كلّ المسائل وتوضع النقاط على الحروف، أي من سبّب قتل آلاف العراقيين على مدى سنوات... لا يجوز أن تُطوى الصفحة وتُترك أرواح الناس من دون محاسبة.

■ هل فشلت تجربة الإسلام السياسي في العراق؟ وما أسباب هذا الفشل؟
نعم فشلت، لأن المتصدّين، أي من مثّلوا هذه التجربة، لم يمثلوها بالشكل الصحيح. التجربة الإسلامية من الممكن أن تنجح في أي مكان آخر، لكن أدوات التجربة الإسلامية في العراق، والذين أتوا من الخارج، كانوا بعيدين كلّ البعد عن المواطن العراقي وهمومه ومعاناته، وبالتالي لم يعكسوا ما يريده، بل اهتموا بأنفسهم، وعوائلهم، وامتيازاتهم، ومعظمهم يحمل جنسيتين... ليس الخلل في التجربة الإسلامية، بل الخلل في الأدوات التي طبّقت التجربة، أو حاولت أن تطبّق التجربة في العراق.

■ على مدى ثماني سنوات كان نوري المالكي رئيساً للحكومة، وكان مطبّقاً لهذه التجربة. لماذا لا نحمّل المالكي المسؤولية؟
الكلّ يتحمّل، لا أعفي أحداً، حتى العلمانيون يتحملون جزءاً من الفشل، ولكن أنت قلت «تجربة إسلامية»، فهل طُبّق المبدأ الإسلامي في الحكم؟ أن يكون حزباً يرفع شعاراً إسلامياً لا يعني أنه يطبّق تجربةً إسلامية في العراق. مَن مِن الأحزاب الإسلامية طبّق التجربة الإسلامية؟ بالاسم يقول «حزب الدعوة الإسلامي» أو «المجلس الأعلى الإسلامي»، لكن هل بأبجدياته شيء يقترب من الإسلام؟ هل تحققت العدالة للمواطن الذي يتحدث عنه الإسلام؟ بالتالي، من حقّك أن تلوم كلّ من حَكَم دون استثناء منذ سقوط النظام (السباق)... لماذا تركّز على شخص دوناً عن دولة؟ نحن نتحدث عن 14 عاماً (منذ 2003)، والكلّ خلال تلك الفترة والأحزاب الإسلامية، أخفقوا. وبالمُجمل، إنّ تقييم التجربة كان تقييماً سلبياً، وليس أنا من يُقيّمها، بل المواطن هو من يقيّمها.