منذ اللحظات الأولى للاحتلال الصهيوني لمدينة القدس، نفّذ العدو سلسلة إجراءات وسنّ مجموعة قوانين تهدف إلى السيطرة الجغرافية والديموغرافية على مدينة القدس وتهويدها. فبعد احتلال الشطر الغربي من القدس عام 1948، أكمل العدو سياسته التوسعية عام 1967، واحتل كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس. وبعد أيام من ذلك، أقرّ الكنيست ضمّ الجزء العربي من القدس إلى غربيّها، وتوسيع حدود بلدية القطاع اليهودي من المدينة ليشمل القدس القديمة وضواحيها، فضلاً عن حلّ المجلس البلدي وإلحاق موظفيه ببلدية الاحتلال.
وبعد سنوات طويلة من الاحتلال والضم، أتى دور العزل والفصل كجزء من سياسة التهويد للأرض والذاكرة والمؤسسات. وللمرة الأولى منذ 1967، تسعى إسرائيل إلى ما يبدو في الظاهر تقليصاً لمنطقة نفوذ بلدية القدس، لكن الواقع أن المطروح خطة يتصدى لها حزب «الليكود» عبر إلكين، تهدف إلى فصل أحياء في القدس المحتلة الواقعة وراء جدار الفصل العنصري عن غربي المدينة.
ولما كان ذلك يحتاج إلى ترتيب إداري، طُرح تشكيل مجلس محلي واحد، أي بلدي، مستقل عن القدس، يضم مخيّم اللاجئين شعفاط والبلدات المحاذية له في شمالي شرقي القدس، وبلدة كفر عقب شمالي القدس، وقرية الولجة جنوبي القدس، وجزءاً من بلدة السواحرة، كما ذكرت صحيفة «هآرتس». ويتراوح عدد سكان هذه الأحياء ما بين 100 ــ 150 ألفاً يحمل ما بين ثلث وحتى نصف هؤلاء الهوية الزرقاء التي منحها إياهم الاحتلال، وهي لا تعني المواطنة وإنما حق الإقامة فقط.

للمرة الأولى منذ 1967
تسعى إسرائيل إلى تقليص منطقة نفوذ بلدية القدس


ولفت إلكين إلى خلفية هذا المشروع بالقول إن هذه الأحياء تشهد اكتظاظاً سكانياً، وهو ما يؤكد أن الهدف معالجة الخطر الديموغرافي الذي يشكله الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة. ووفق تعبيره، الهدف من هذه الخطوة «التوازن الديموغرافي» بين اليهود والعرب، حتى تكون الأغلبية الكبرى من سكان القدس من اليهود. في السياق نفسه، ذكرت «هآرتس» أن ما يقلق إلكين، اليميني المتطرف، هو في الأساس التزايد السكاني السريع في هذه المناطق الفلسطينية وتأثيره في التوازن السكاني في القدس كلها.
ويدّعي إلكين أن أسعار السكن الرخيصة نسبياً في هذه المناطق، وقربها من القدس، جعلاها منطقة جذب للفلسطينيين من الضفة أيضاً، وبينهم مواطنون عرب من داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ما يعني أن أولادهم هم مواطنون أيضاً. وانطلاقاً من هذا المعطى، أتى موقفه الذي يقول: «توجد هنا تبعات دراماتيكية من ناحية الأغلبية اليهودية وأيضاً من حيث إنه لا يمكنك أن تحسن مستوى الحياة هناك، وتوقعاتنا تشير إلى أن هذا آخذ في الازدياد».
وبالنسبة إلى إمكانية المصادقة على هذا المشروع، يرى إلكين أن هناك فرصة كبيرة لذلك، انطلاقاً من أن «أي أحد، من اليمين واليسار، بإمكانه أن يرى وجود حسنات في هذه الخطة، ومخاطر من الجهة الأخرى. وهذا صحيح في حال أراد أحد تسليم هذه المنطقة (للفلسطينيين)، فإن الأمر سيكون أسهل من حيث التنفيذ».
أما عن تداعيات هذا الإجراء على الوضع الحياتي والمعيشي للسكان الفلسطينيين، فقد أقرّ إلكين بأن «الوضع في هذه الأحياء لا يمكن أن يكون أسوأ. والوضع الحالي فشل بالمطلق». ولفت إلى أن «تمرير الجدار بمساره الحالي كان خطأً»، مشيراً إلى أنه من الناحية العملية، توجد الآن منطقتان بلديتان، القدس والأحياء (الفلسطينية المعزولة)، والربط بينهما ضعيف للغاية. وفي المستوى العملي، لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يعمل هناك، والشرطة تدخل من أجل تنفيذ عمليات فقط، والمنطقة تحولت تدريجياً إلى مستباحة».
مع ذلك، لم تتبلور خطة إلكين بالكامل حتى الآن، كما ذكرت «هآرتس»، خاصة أنه «لم يتقرر بعد هل ستخضع هذه المناطق الفلسطينية لمنطقة نفوذ سلطة محلية واحدة، رغم عدم التواصل الجغرافي في ما بينها، أو لسلطتين محليتين. كذلك، لا يوجد اتفاق بين السكان الفلسطينيين على المشاركة في انتخابات لإقامة سلطة محلية جديدة. وفي المرحلة الأولى، سيكون فيها مجلس محلي معيّن من وزير الداخلية» الإسرائيلي.
في سياق آخر، وتفادياً لتداعيات سياسية، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر سياسي قوله إن السفير الأميركي في تل أبيب، ديفيد فريدمن، نقل رسالة لتأجيل التصويت على قانون «القدس الكبرى» من أجل التنسيق مع الإدارة الأميركية. أيضاً، طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال جلسة لوزراء «الليكود» أمس، بإرجاء التصويت على قانون «القدس الكبرى»، الذي يشمل ضمّ مستوطنات خارج «الخط الأخضر» ومحاذية للقدس، لما قد يثيره القانون من ردود فعل دولية رافضة. ووفق مسؤول كبير في الإدارة الأميركية تحدث أمس إلى الإذاعة الإسرائيلية، «ريشت بيت»، فإن «الولايات المتحدة هي التي منعت التصويت على مشروع القانون»، مضيفاً: «من الإنصاف القول إن واشنطن تشجّع الامتناع عن اتخاذ خطوات تعتقد أنها تشتّت دفع عملية السلام قدماً». وكان من المفترض عرض القانون الذي قدم مشروعه وزير المواصلات والاستخبارات، يسرائيل كاتس، على اللجنة الوزارية للتشريع أمس. وقال نتنياهو، خلال جلسة وزراء «الليكود»، إن «الأميركيين توجهوا إلينا وطلبوا توضيحات حول جوهر القانون»، وأضاف: «كما تعاونّا معهم حتى الآن، من المفيد التحدث والتنسيق، ونحن نعمل على تعزيز وتطوير الخطط الاستيطانية، ولا نعمل على تعزيز أي اعتبارات أخرى». وأكد نتنياهو أن الإدارة الأميركية تريد إجراء مناقشات مع الحكومة الإسرائيلية بشأن هذا القانون. موقع «واللا» نقل، بدوره، عن كاتس قوله: «رئيس الحكومة (نتنياهو) أوضح أنه يدعم القانون، وأن الأميركيين توجهوا إليه بطلب بعض التوضيحات حول جوهر القانون»، مدّعياً أن «هذا القانون شأن إسرائيلي داخلي جاء لتعزيز يهودية القدس بغض النظر عن الإجراءات الديبلوماسية». وأضاف كاتس: «آمل أن يتم توضيح الأمر للأميركيين، وطرح القانون للمناقشة والتصويت الأسبوع المقبل».
إلى ذلك، نقلت صحيفة «هآرتس» عن قيادي رفيع في الائتلاف الحكومي قوله: «الصياغة الحالية للقانون ستعرّضنا لضغوط دولية كبيرة، كما أنه يتضمن مشكلات قضائية صعبة، نتنياهو لن يسمح لنفسه بأن يدعم القانون بصيغته الحالية».
(الأخبار)