في خطوةٍ دستوريةٍ جديدة للحكومة في إطار إعادة ضبط العلاقة بين بغداد وأربيل، خرجت «المحكمة الاتحادية العليا في العراق»، أمس، بأوّل «تعليقٍ قانوني» على خطوة أربيل الانفصالية، بإجرائها استفتاء على الانفصال عن العراق، في 25 أيلول الماضي. وقال المتحدث باسم المحكمة إياس الساموك إن «المحكمة أصدرت في جلستها قراراً بتفسير المادة الرقم 1 من الدستور، وخلصت إلى أن هذه المادة والمواد الدستورية الأخرى ذات العلاقة أكّدت على وحدة العراق»، مضيفاً أن «المادة 109 من الدستور ألزمت السلطات الاتحادية كافّة بالمحافظة على هذه الوحدة».
وكانت «المحكمة الاتحادية» المعنية بالفصل في القضايا الخلافية بين الحكومة العراقية و«الإقليم» والمحافظات، وتفسير الدستور، قد قرّرت في 18 أيلول الماضي وقف إجراءات الاستفتاء، بناءً على طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلا أن أربيل مضت في إجرائه، ما دفع ببغداد إلى إعادة نشر قواتها في المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات «البشمركة» منذ 2014، إضافة إلى تلك «المتنازع عليها»، شمال البلاد.
وسارع مكتب العبادي، إلى التأكيد على «التزام الحكومة بالحفاظ على وحدة العراق»، مشدّداً على «الالتزام بالدستور، وقرارات المحكمة الاتحادية». وطالب البيان «الإقليم» بإعلان «التزامٍ واضح بعدم الانفصال أو الاستقلال عن العراق»، موضحاً أن «جميع الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة الاتحادية كانت ضمن هذه المواد الدستورية وضمن صلاحياتها».
العلاقة بين بغداد وأربيل لا تزال متوترة على خلفية الانفصال، بالرغم من اشتراط الأولى على الأخيرة إلغاء نتائجه تمهيداً لحوار تحلُّ من خلاله المشاكل العالقة، إلا أن رئيس «الإقليم» السابق زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود البرزاني، أبدى أمس تمسّكه بالاستفتاء، مشيراً إلى أنه «لا يندم على الاستفتاء بالرغم من العواقب»، لافتاً أيضاً إلى أن «العلاقات مع الولايات المتحدة تضرّرت بشدة بعد انتشار القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها». وأضاف، في أول مقابلة له منذ إجراء الاستفتاء مع إذاعة «NPR» الأميركية، أنه «بعد إجراء الاستفتاء، توقّعنا إغلاق الحدود واتخاذ إجراءات اقتصادية ضدنا، ولكن لم نكن ننتظر هجوماً عسكرياً من العراق علينا»، موضحاً أن «أربيل ستراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة إثر دعمها لبغداد ضد الإقليم، فيما الموقف الروسي كان أكثر إيجابية بعد الاستفتاء».

البرزاني: أربيل ستراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة


وفيما يبدي البرزاني عناداً بتمسّكه بالاستفتاء، فإن حظوظ إعادة ترتيب العلاقة بين بغداد وأربيل لا تزال ضعيفة، رغم إعلان النائب عن كتلة «الاتحاد الوطني الكردستاني» فرهاد قادر، عزم «وفد من الإقليم على زيارة بغداد، مطلع الأسبوع المقبل»، وذلك بهدف «التباحث حول المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد». وأضاف أن «وفد الإقليم سيكون حكومياً، وسيتضمن خبراء في مجالات مختلفة، وخاصّةً في المجالات التي هي محل خلاف الآن بين الطرفين»، مبيناً أن «البحث سيتركز في مسألتي الرواتب وإدارة المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم». تأكيد الطرف الكردي على الاستعداد للحوار في إطار الدستور، قد لا يكون منسجماً مع تطلعات بغداد، إذ أكّدت مصادر حكومية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الحوار مع الأطراف الكردية سيكون مشروطاً بإلغاء الاستفتاء»، وأن «أيّ حوارٍ مع أربيل لن يجرى، في ظل المشاحنات، والعناد الكردي لمصلحة رؤية واحدة، لا تأخذ بعين الاعتبار رؤية العراق الواحد».
وفي إطار تراجع أربيل المشروط لبغداد، أعلن رئيس حكومة «الإقليم» نيجيرفان البرزاني أن «حكومته مستعدة لتسليم بغداد جميع الواردات، إضافة إلى النفط، والمطارات، والمعابر الحدودية، شريطة موافقتها على صرف حصة الإقليم من الموازنة المالية»، لافتاً إلى وجود «ملاحظات كثيرة على مشروع الموازنة لأن مجلس الوزراء العراقي أقرّها من جانب واحد». وأضاف «على بغداد ان لا تتعامل مع كردستان من موقع القوة»، مؤكّداً أن «الخلافات بين أربيل وبغداد لن تحل بالخيار العسكري... بل يجب أن تحل بالحوار استناداً إلى الدستور العراقي ونحن مستعدون للحوار».
(الأخبار)