لا تزال وسائل إعلام أميركية عدة تسعى إلى تقدير ما يحصل في السعودية من تغييرات، محاولة في الوقت ذاته الاسترسال في التحليل، علّها بذلك تتمكن من التقاط طرف خيط يقودها إلى ما قد يحمله المستقبل من نتائج لما يقوم به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من خطوات غير مسبوقة في المملكة التي تعد الحليف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة.وبالتوازي مع ظهور التداعيات، يحاول عدد من الصحف والمجلات الأميركية، التكهّن بنوعية هذه التداعيات على واشنطن، بنحو خاص، الأمر الذي تطرّق إليه كل من ديفيد آيرون ميلر وريتشارد سولوسكي في مجلة «فورين بوليسي». وفي تقرير تحليلي بعنوان «دونالد ترامب أطلق السعودية التي طالما أردناها وخفناها»، رأى الكاتبان أن «ابن سلمان وضع الشرق الأوسط على مسار تصادمي، فيما سيتلقّى البيت الأبيض العواقب». وقالا: «الآن، سرّع ولي العهد السعودي صعوده إلى العرش، من خلال سلسلة من عمليات التطهير الواسعة النطاق والحركات المتهورة على مستوى السياسة الخارجية».

وبناء عليه، انطلق ميلر وسولوسكي في العودة إلى الوراء، بناء على تجربتهما السابقة في وزارة الخارجية. وأشار الكاتبان إلى «شعور ما بالحنين»، لكن ليس أي حنين، بل إلى الأيام القديمة «حين كان السعوديون يخافون من ظلّهم». «خلال عقود من العمل في وزارة الخارجية، كنّا نتوق إلى اليوم الذي سيخاطر فيه القادة السعوديون لإيجاد حلول لمشاكلهم الأمنية المحلية والإقليمية، وتقليص اعتمادهم على الولايات المتحدة... كنا نشعر بالإحباط بسبب حذرهم وعدم قيامهم بأي عمل»، قال الكاتبان، موضحين أن «السعوديين، الآن، أصبحوا كل ما أردناه منهم ــ وبالنظر إلى الأمور ربما أصبحوا أكثر مما أردناه».
وفيما رأيا أن «السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، تحوّلت إلى قوة مستقلة تضرب بعدائية في الداخل وبمخاطرة في الخارج»، فقد اعتبرا أنها «تسحب واشنطن معها في ذلك».
ولكن ما هي الأسباب وراء هذا التحليل؟ يوضح ميلر وسولوسكي أنه «في سلسلة من الأحداث السياسية الخارجية الفاشلة (اليمن، قطر، والآن قد لا يكون لبنان بعيداً)، يبقى أبرز نجاح حققه محمد بن سلمان في الخارج، الاستيلاء على الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر». وفي مقابل إشارتهما إلى أن «الأميركيين طالما فُتنوا بالملوك والممالك»، يلفتان إلى أن «الملك سلمان ومحمد بن سلمان يبدوان كأنهما سجلا رقماً جديداً في إقناع إدارة ترامب بأنهما يملكان مفاتيح الحرب والسلم وتحويل المنطقة». لم يحتاج سلمان وابنه إلى الكثير من أجل الإقناع، فعلى حد تعبير الكاتبين «يملك السعوديون بعض المزايا الطبيعية، التي تمنحهم نقاطاً في البيت الأبيض، من بينها الاستقرار والقوة، وطبقة حاكمة استبدادية، فضلاً عن أطنان الأموال، والرغبة في التملّق والترجّي».
من جهتها، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، في افتتاحيتها أول من أمس، إلى «نفوذ السعودية الخاص على دونالد ترامب». واسترسلت في المقارنة بين مقاربة ترامب وإدارته للسعودية وإيران. «خذوا في الاعتبار التحدي السياسي: قائد من الشرق الأوسط يقوم بلعبة قوة مذهلة لتدعيم سلطته المحلية... وقائد آخر في الشرق الأوسط، يستقيل فيما كان في زيارة لبلد القائد الأول، ولا يعود إلى وطنه»، تبدأ الصحيفة بهذا التنويه، موضحة أنه «لو حصل ذلك في إيران، لكان من الممكن الاعتقاد بأن ترامب، والكونغرس ومجموعة أخرى من الأصوات يمكن أن ترد بغضب». من هذا المنطلق، أشارت إلى «الفرق الكبير بين السعودية وإيران». وفيما لفتت إلى أن ترامب لم يرَ مشكلة في سلوك الأمير محمد بن سلمان «العدائي»، فقد رأت أن المشكلة هي أن هذا الدعم «يثير مخاوف من حرب مع إيران، ويهدد المصالح الأميركية».
أندرو بوين تطرّق في معهد «أميركان انتربرايس» المحافظ إلى نقطة أخرى، لافتاً إلى أن «من المتوقع أن ينضم المزيد من النخب إلى توقيفات الريتز». وعلى هذا الصعيد، أشار إلى «الشائعات التي تتحدث عن أن المسؤول الأمني السابق الأمير خالد بن سلطان، وشقيقه السفير السابق إلى الولايات المتحدة بندر بن سلطان سيدخلان، قريباً، إلى الريتز».
وفيما ينوّه الكاتب إلى أنه «لا الأمير محمد بن سلمان ولا والده يُعرفان بأنهما نظيفان»، يوضح في الوقت ذاته أن «الأمير الشاب يتخذ خطوات لم يجرؤ أحد على اتخاذها سابقاً»، معتبراً أن «تصرفاته في الداخل تخلق مساحة لإعادة بناء النخبة السعودية والمجتمع المدني، في سبيل السعي نحو الإصلاحات الاجتماعية، تحت ولاية شعبوية جديدة».
(الأخبار)