تونس ــ الأخبارصرّح الرئيس التونسيّ السابق، منصف المرزوقي، من قطر مطلع هذا الأسبوع، بأنّ «رأسمال الإسلاميّين بدأ يشحّ»، و«أن مشروعهم بصدد التكسّر على صخرة الواقع». ويأتي هذا التصريح في إطار سلسلة من الهجومات على «حركة النهضة»، حليفته سابقاً، وتقاربه المتصاعد مع الإمارة البتروليّة، التي يبدو أنها تبحث عن توسيع تحالفاتها أبعد من «الإخوان» وتفرعاتهم.

جاءت تصريحات المرزوقي في زيارة منظمة لقطر بدأها في نهاية الأسبوع الماضي، وشارك خلالها في فعاليات «منتدى قطر للقانون»، وألقى محاضرة في «صالون الكواكبي». ورغم تناوله ظاهرة الإسلام السياسيّ بصفة عامة، عابراً من «الإخوان» إلى «داعش» مروراً بحركة «طالبان»، إلّا أن الجزء الأهم منها تناول، بالتصريح أحياناً والتلميح أحياناً أخرى، «حركة النهضة» التونسيّة. وأشار المرزوقي إلى أنّ أهم رأسمال لحركات الإسلام السياسيّ، هو إعطاؤها الانطباع بأنّها قادرة على «أخلقة السياسة»، أي إضفاء بُعد أخلاقيّ عليها، لكن هذا الرأسمال بدأ يشحّ بتولي بعضها السلطة، وبانغماس بعضها الآخر في موجات عنف يمكن أن تؤدي إلى «الدمار الشامل».
ولم تتأخر إشارته إلى السياق التونسيّ، إذ قال: «جربت الإسلام السياسيّ، حيث تحالفتُ معه ثم وقع الطلاق». ما أوصل إلى الطلاق، بينه هو الذي يُعرّف نفسه كعلمانيّ ديموقراطيّ، وبين حلفاء السلطة الإسلاميّين، هو تفضيلهم التحالف «مع قوى الثورة المضادة التي اضطهدتنا جميعاً»، على الإبقاء على تحالفهم مع «قوى الثورة».
يكتسي كلام المرزوقي أهميّة خاصّة، لأنّه يأتي ضمن سياق التطاحن الخليجي، الذي تبقى تونس الرسميّة محايدة تجاهه، ويبدو كمحاولة لتسجيل نقاط إيجابيّة داخل المحور القطريّ، على حساب «حركة النهضة» التي صارت مواقفها مكبّلة بمشاركتها في السلطة.
في الفترة السابقة لعام 2011، بقيت «النهضة» الحليف التونسيّ المفضّل لدى قطر، حيث استقبلت رموزها وقدمت وظائف لأتباعها ووفرت منبراً لآرائها. استمر الوضع على تلك الحال بعد الثورة، لكن الوضع بدأ يتغيّر منذ دخول منصف المرزوقي حلبة المزاحمة على الدعم القطريّ، إذ جهد منذ تقلّده منصب الرئاسة (2011 ــ 2014) على مواءمة مواقفه مع مواقف قطر.
وفي السياسة الخارجيّة، التي كانت من مسؤولياته، دعم ما دعمته الإمارة، وتحاشى ما رفضته. كان مثلاً قبل توليه الرئاسة داعماً للثورات العربيّة ومنها الحراك في البحرين، التي تظاهر أمام مقر سفارتها في تونس، وصار بعد ذلك داعماً للثورات العربيّة، باستثناء تلك السائرة في البحرين. أخيراً، تذكّر الرجل، بعد تغيّر الموقف القطريّ طبعاً، أنّ اليمن محاصَر، وأن شعبه يعاني الجوع والكوليرا جراء التدخّل السعوديّ الإماراتيّ، حصراً. أما داخليّاً، فوصل به الأمر في إحدى المرات إلى تهديد من سمّاهم «المتطاولين» على قطر، ومن داخل القصر الرئاسيّ، بالمتابعة القانونيّة.
مع ذلك، لم تظهر حلقة التنافس الأبرز على التقرّب إلى قطر سوى عقب الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة، عام 2014. خسر المرزوقي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة لمصلحة الباجي قائد السبسي، ولم ينجح حزبه في تحصيل ما يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من مقاعد برلمانيّة. ورغم تصويت جزء مهم من قواعد الإسلاميّين له في الانتخابات الرئاسيّة، إلّا أنّ «النهضة» لم تدعمه بصفة رسميّة. كلّ ما قامت به هو دعوتها قواعدها للتصويت لمن أرادوا من بين المرشحين، وعرف ذلك حينها بـ«تحرير المبادرة الانتخابية».
لاحقاً، أعلن نائب رئيس «حركة النهضة»، عبد الفتاح مورو، أنّه صوّت هو وراشد الغنوشي للباجي قائد السبسي، وكذلك جزء مهم من قياداتهم وقواعدهم. تحالفت «النهضة» وحزب «نداء تونس»، بناءً على ما أطلق عليه «سياسة التوافق». أقصي المرزوقي من المعادلة السياسيّة محلياً، لكنه لم يلتزم الصمت وقرّر خوض معركته إلى النهاية.
عاد المرزوقي من البوابة التي طرقها سابقاً، بوابة قطر. وبما أنه مُقصى من مراكز القرار، لم يكن عليه حرج في الصدح بمواقفه. فعلى عكس النهضة التي التزمت الحياد في الصراع الخليجي الدائر، وسعت إلى فك ارتباطها مع قطر، على الأقل إعلامياً، قاد المرزوقي حملة الدفاع عنها وطالب الحكومة التونسيّة بالانحياز إلى محورها.
وفي هذا الإطار، خصصت قناة «الجزيرة» ثلاثين حلقة من برنامج «شاهد على العصر» لمحاورة المرزوقي. وفي الحلقات التي امتد بثّها (ويبدو أنه سيمتد أكثر) على ما يقارب تسعة أشهر، وجّه الرئيس السابق سهام نقده تجاه «النهضة». قال إن حمادي الجبالي، رئيس الحكومة الأسبق (2011 ــ 2013)، أسوأ رئيس حكومة وإنه لا يفقه شيئاً في السياسة.
ربط المرزوقي تصريحاته المساندة لقطر بتصريحاته الناقدة للإسلاميين، ويبدو أن الأمر لا يقلق قطر، بل العكس. في زيارته الأسبوع الماضي، استقبل المرزوقي أمير قطر شخصياً، وبعد حوار الاستقبال حضرا جنباً إلى جنب فعالياّت «منتدى قطر للقانون». ويبدو أن تحالفات قطر في تونس في طريقها إلى التغيّر شيئاً فشيئاً، فمع انسحاب «النهضة» المتواصل من تحالفها التاريخي مع الإمارة، يعزّز المرزوقي علاقاته بها يوماً بعد يوم. من المنطقي أن تسعى قطر إلى إظهار تحالفها مع شخصيات وأحزاب علمانية، دفعاً لشبهة دعمها للحركات الإسلامية حصراً، ومن مصلحة المرزوقي أن يفكّ عزلته المحلية باستخدام ما توفره له من أدوات وموارد.