القاهرة | فاجعة مجزرة مسجد الروضة التي راح ضحيتها أكثر من 305 شهداء، أثناء أداء صلاة الجمعة، لا تزال تلقي بظلالها على مصر. المجزرة الأولى من نوعها في تاريخ مصر أربكت المشهد داخلياً وخارجياً. صحيح أن القاهرة تلقت رسائل تعاطف وتنديد ودعم عديدة، إلا أن التداعيات لا تزال مستمرة على مستويات عدة مرتبطة بنظرة مستقبلية تبدو أكثر تفاؤلاً على مستوى السلطة، وأكثر حزناً وضيقاً على مستوى الأهالي في سيناء، وسط مخاوف من تأثر القطاع السياحي، وبالتالي الاقتصاد المصري، بما حدث.
حجم الحادثة أكبر من أية حادثة إرهابية وقعت من قبل، وهو ليس مرتبطاً فقط بكون جميع الضحايا من المدنيين، ولكن بسبب نجاح «داعش» في إسقاط هذا العدد من الضحايا في عملية واحدة، ومن دون مقاومة، عبر استغلال فراغ أمني عادة ما يصاحب أداء الصلاة في المساجد، بالإضافة إلى عدم وجود سابقة ارتكاب أي أعمال عنف تجاه المساجد في مختلف أنحاء الدولة.
الحقيقة أن الخسائر التي يوقعها المسلحون في كل تحوّل نوعي لعملياتهم تكون أكبر من أية توقعات، وهو ما تكرر من قبل، في واقعة استهداف مصلين خلال توجههم إلى دير في الجبل، وفي تفجير الكنائس من الداخل بواسطة انتحاريين.
تلك مفاجآت لا يتوقعها رجال الأمن في كل مرة، وتؤدي إلى زيادة الإجراءات التأمينية لاحقاً. على هذا الأساس تأتي الخطة الأمنية التي اتفق عليها وزير الداخلية مع مساعديه، وتتضمن إخضاع جميع المساجد لتكون ضمن أهداف الشرطة السرية.
هذه الخطة هدفها تنفيذ الإجراءات التأمينية التي تتناسب مع خطورة التهديدات من دون إثارة مزيد من القلق في ظل وجود أكثر من 140 ألف مسجد في مصر.
وبالعودة إلى ملابسات عملية مجزرة الروضة، فإن استهداف «داعش» المدنيين يعبّر عن عجز عناصره وحصارهم بشكل كبير خلال الفترة الحالية، ولا سيما مع إحكام السيطرة على الحدود الشرقية بعد اتفاق المصالحة الموقَّع بين حركتي فتح وحماس، والتوافق المصري مع حماس على إغلاق الحدود وإحكام السيطرة عليها بنحو كامل.
فقد «داعش» الكثير من قدرته على التعامل مع الأهداف العسكرية في سيناء، وهو أمر لم يكن مرتبطاً فقط بالتعزيزات والهجمات الاستباقية التي نفذتها قوات الجيش مستعينة بالطائرات العسكرية التي بات صوتها يسمع بوضوح بنحو شبه يومي في شمال سيناء، ولكنه مرتبط أيضاً بخنق التنظيم التكفيري وإحكام مراقبة الطرق المؤدية إلى شمال سيناء بنحو أكبر من أي وقت مضى.
تراهن الأجهزة الأمنية على نفاذ الأسلحة والذخائر الموجودة بحوزة الإرهابيين في سيناء، وهو رهان يبدو موفقاً حتى الآن، فعمليات المراقبة التي كانت تجري في السنوات السابقة لم تكن كافية مع الإجراءات التي اتُّخذت أخيراً، وأدت إلى تراجع العمليات التي تستهدف المنشآت الشرطية والعسكرية بصورة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما تسجله البيانات الرسمية بأكثر من 50 في المئة قياساً إلى عام 2016، وأكثر من 80 في المئة مقارنة بعام 2015.
لكنّ اطمئنان الأجهزة الأمنية يقابله قلق من الأهالي مرتبط بمقترحات التهجير التي تزايدت أخيراً، وباتت تصدر بنحو شبه رسمي عن مسؤولين في أجهزة الدولة، لديهم قدرة على التأثير في صنع القرار.
صحيح أن المقترحات في صيغتها الأولية لم تتبلور بعد، لكن الأهالي يرفضون المغادرة رفضاً قاطعاً، فمن غادروا من المسيحيين قبل شهور لم يعودوا حتى الآن، كذلك فإن عدداً من ضحايا مجزرة الروضة هم أشخاص هاجروا بإرادتهم من الشيخ زويد هرباً من الإرهاب ليواجهوا المصير المحتوم على بعد أكثر من 80 كيلومتراً من مسقط رأسهم.
مخاوف عمليات التهجير تلوح في ذهن الأهالي، وفي أحاديثهم اليومية، فما حدث قبل شهور مع أهالي رفح لإخلاء الشريط الحدودي، قد يتكرر مجدداً، ولكن على نطاق أوسع هذه المرة، وهو ما يثير هواجسهم، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين تلقوا وعوداً بالعودة إلى مدينة رفح الجديدة، لكن العمل لم يبدأ بها بعد بسبب العمليات الإرهابية.
وبرغم من أن أية إشارة واضحة لم تصدر بشأن عمليات الإخلاء، إلا أن ثمة ترقب بشأن ذلك، فبالإضافة إلى المسؤولين المشار إليهم سابقاً، فإنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي يتحدث عن بطء العمليات باستمرار بسبب وجود المدنيين، والخبراء العسكريون يقترحون التهجير حلاً وحيداً، لكن الأمل يبقى باستمرار لدى الأهالي في مقاومة الإرهاب بالبقاء والصمود.
وبرغم ما سبق، يمكن القول إن الدولة المصرية تحركت سريعاً إزاء مجزرة الروضة، فالسيسي أجّل زيارة كان يفترض أن يقوم بها لسلطنة عمان أمس الأحد، للقاء السلطان قابوس بن سعيد، وأمر بصرف تعويضات استثنائية وعاجلة لأسر الضحايا والمصابين، وإنشاء نصب تذكاري لتخليد ذكراهم، في وقت بدأت فيه الحكومة احتواء الأسر من خلال لجان شكّلتها وزارة التضامن الاجتماعي لتوفير الدعم النفسي والمادي لهم، بالإضافة إلى توفير السلع والمستلزمات الغذائية لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وسط رفض لأيّ اتهامات بالتقصير والتشديد على استهداف أعداد كبيرة ممن نفذوا العملية وقصف سياراتهم بالطائرات بعد ساعات من الحادث.
تحركات الحكومة المصرية عكست اهتماماً، ربما غير مسبوق، تجاه كارثة تحدث في سيناء، وقد واجهت الرأي العام بتفاصيل الحادث وما جرى فيه من أحداث وعدد الضحايا الذين كان من بينهم نحو 30 طفلاً دون سنّ العاشرة.
أما الأزهر، فلم يسلم من الانتقاد كالعادة. وكيله الشيخ عباس شومان رفض في مداخلة هاتفية تكفير «الدواعش»، وهو ما رفع منسوب الهجوم على المؤسسة الدينية التي ترى مؤسسة الرئاسة أنها عاجزة، في ظل وجود الإمام الأكبر أحمد الطيب على رأسها، عن تجديد الخطاب الديني ومواجهة العنف.
تلك الانتقادات جعلت صفحة مشيخة الأزهر عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تنشر مقطع فيديو يعود تاريخه إلى الشهر الماضي للإمام الطيب، ويؤكد فيه أن إدانة الأزهر ومناهجه عقب أي حادثة من حوادث الإرهاب، هي سعي «بائس فاشل لمحاولة خلخلة رصيده في قلوب المسلمين».
ميدانياً، التقى عدد من كبار العائلات والقبائل في سيناء بقيادات أمنية. بعض هذه اللقاءات جرى بنحو فردي والبعض الآخر بنحو ثنائي من أجل التنسيق والتأكيد أن ما حدث في قرية الروضة لن يُسمح بتكراره مجدداً، وأن جميع العائلات ستكون مؤمنة بنحو كامل خلال الفترة المقبلة. ولكن هذه التعهدات تبقى مرتبطة بتعزيز الوجود الأمني في الشارع.
التحقيقات الجارية تتحدث حالياً عن أن لهجة بعض المتهمين في الحادث غير مصرية، بينما تحدث عدد من المصابين عن وجود بعض ممن يتحدثون اللهجة السيناوية، فيما قدرت أعدادهم بنحو 30 شخصاً، وقد أجمع شهود العيان على أنهم كانوا يتسابقون على قتل أكبر عدد من المصلين.