موتاً بطيئاً، هكذا قرّر آل خليفة، حُكّام النظام البحريني، طريقة النيل من أبرز خصومهم السياسيين، الشيخ عيسى قاسم، الذي هو أهم المرجعيات الدينية في البلاد. رصاصةٌ واحدة كانت كفيلةً بوضع حدّ لأشدّ خصوم النظام يوم اقتحمت القوات الأمنية منزل قاسم في الدراز (شمالي غربي البلاد)، في أيّار الماضي، حينما أجبرته على الإقامة الجبرية فيه. وأدى الهجوم آنذاك إلى سقوط خمسة شهداء وعشرات الجرحى من المعتصمين أمام منزله، حيث تحوّل إلى «ساحةٍ للفداء»، كما سمّاها البحرينيون.
ويُقال آنذاك إن الملك «طأطأ سلاحه عن وجه قاسم حتى لا يناله عار قتل أكبر مرجعية دينية لشيعة البحرين»، وأيضاً في محاولة منه لحفظ ما تبقّى من «ماء وجهه» أمام المجتمع الدولي.
يقبع قاسم في منزله المحاصر بنصف وزنه بعدما سحبت جنسيّته، رافضاً المغادرة الفورية من الوطن الذي لبثت فيه عائلته عقوداً، مع اتهام آل خليفة لهم بأنهم «عجمٌ وليسوا عرباً»، إذ تحت قوّة السلاح، خضع الرجل الثمانيني للإقامة الجبرية، لكنّه ظلّ صامداً حتى أنهكه المرض.
الطبيب الذي زار قاسم، أوّل من أمس، تحت حراسة مشددة من وزارة الداخلية، أكّد أن «أبو سامي» يعاني فتقاً خطيراً تسبّب في نزيفٍ داخلي في جسده النحيل. فـ«الأدوية لم تعد فعّالة، لكن مجموعة عمليات جراحية، وبإشراف طاقمٍ طبي مختص، كفيلةٌ بشفاء الشيخ»، وفق الطبيب.
وبعد تشخيص إصابة قاسم بنزيف غير قابل للعلاج في المنزل، ما زال الرجل طريح الفراش، ولم تحرّك السلطات ساكناً حتى الساعة. مرّ يومان ولم تظهر سيارة إسعافٍ لتقلّه إلى المشفى، ولم تنبس «الداخلية» ببنت شفّة، فأي تصريحٍ علني برفضها تأمين العلاج سوف يثبت إخضاع «الشيخ» للإقامة الجبرية، وهو ما لم تعلنه الحكومة يوماً، لكنها تنفذه منذ ستة أشهر.
وفق معلومات «الأخبار»، لم يوافق قاسم، في بادئ الأمر، على أن يأتي أحد بطبيبٍ حتى لا يتعرض الأخير لخطر التحقيقات والاعتقال بسببه، كما رفض أي معالجةٍ تأتي من جهةٍ غير موثوقة، ولا سيّما أن التخلص منه يأتي في صلب اهتمامات الحكومة وحلفائها في الخليج.
في هذا السياق، أكّد النائب السابق عن «كتلة الوفاق»، علي الأسود، أن «هناك مشروعاً لتصفية الشيخ»، مشيراً إلى وجود «تدويلٍ لقضية الشيخ عيسى قاسم، إذ تستخدم الحكومة هذا الملف كورقةٍ أخيرة للمناكفة السياسية في الصراع السعودي ــ الإيراني». وأضاف في حديث إلى «الأخبار» أن «حرمان الأب الشيخ عيسى قاسم العلاج هو لعب بالنار بالنسبة إلى آل خليفة».
علماء البحرين أكّدوا بدورهم حراجة الوضع الصحي للزعيم الديني، ووجّهوا في بيان دعوة إلى «الشعب من أجل النزول في الشارع رجالاً وشباباً ونساءً وأطفالاً، وإعداد النصرة، عبر الخروج في المسيرات السلميّة في جميع المناطق، في ليلة الجمعة القادمة... في هبّة جماهيرية غيورة على سلامة الوطن، وسلامة فقيهه وقائده»، واحتجاجاً أيضاً على «تصاعد حملات القمع والمداهمات والاعتقالات، ورفضاً للزجّ بالوطن وقضاياه في النزاعات والتصفيات الإقليمية».
وحذّر البيان من أن «الوطن ما عاد يحتمل أكثر، والانفجار وشيكٌ إنْ لمْ يُتدارك... المسؤولية الشرعية والوطنية تحتّم على الجميع التحرّك قبل وقوع الكارثة وحدوث ما لا تحمد عقباه».
هذا المشهد يوضح أن النظام لا يدرس أبعاد الأزمة السياسية التي وصلت حدّ الانفجار مع تهديد الحكومة بوضوح لصحة قاسم وحياته، الأمر الذي يراه معظم البحرينيين تعرّضاً مباشراً لهم، ومسّاً بأكبر رموزهم.