ستكون بغداد على موعدٍ مع إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي «النصر النهائي» على تنظيم «داعش»، السبت المقبل (9 كانون الأوّل)، وذلك في «عرضٍ عسكريّ ضخم»، وفق مرجعيةٍ أمنية رفيعة، أكدّت في حديثها إلى «الأخبار» أن «وحداتٍ من الجيش العراقي، وجهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية، والرد السريع، والحشد الشعبي، وباقي القوات العاملة، ستشارك في الاستعراض الضحم، حيث سيعلن العبادي خلاله انتهاء العمليات العسكرية ضد داعش، وانتصار بغداد العظيم».
الحدث المرتقب تصفه مصادر عراقية بـ«المنعطف المهم» في تاريخ العراق الحديث، وإن كانت نتائجه ملموسةً مع انطلاق عمليات «قادمون يا نينوى» (تشرين الأوّل 2016)، فـ«إعلان النصر النهائي يمثّل انتصاراً معنوياً كبيراً لبغداد على داعش»، وطي صفحة الحرب ضد الإرهاب دامت ثلاث سنواتٍ تقريباً. «النصر» المنتظر إعلانه، يرتبط ــ اليوم، باستكمال القوات العراقية تطهيرها لكامل جيوب مسلحي «داعش» في صحراء البلاد الغربية، وامساكها بكامل الخط الحدودي مع سوريا، والممتد من مدينة القائم (غربي الأنبار) جنوباً، باتجاه معبر ربيعة (غربي الموصل) شمالاً (حوالى 300 كيلومتر)، إذ تتوقّع مصادر عسكرية عراقية، في حديثها إلى «الأخبار»، «إنجاز المهمة الأخيرة في الأيام القليلة المقبلة».
إعلان بغداد الرسمي عن دخولها «مرحلة ما بعد داعش»، يفرض على الحكومة الاتحادية إنجاز مقدّمات الاستحقاق الانتخابي المقبل (أيّار 2018)، الأمر الذي يُدخل «النصر والدم في سوق الاستثمار السياسي»، وفق مصادر نيابية عراقية، التي تشير في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «جميع القوى ــ من دون استثناء، ستحرص على استثمار هذا النصر، بحسب قدرتها على ذلك»، فالصراع الانتخابي بحاجةٍ إلى «خطاباتٍ وشعاراتٍ جاذبة»، وفق تعبيرها، و«النصر على داعش، ومعاناة الشهداء والجرحى، والتهويل من عودة (رئيس الوزراء السابق) نوري المالكي، وإرهابيي داعش، سيكون له أثرٌ بارزٌ على مزاج الشارع العراقي، وتوجهات الناخبين».
وأمام مشهد انتصاره على «داعش» من جهة، وحفاظه على وحدة البلاد من جهة ثانية، وإطلاقه حرباً لـ«القضاء على الفساد والفاسدين» من جهةٍ ثالثة، يبدو العبادي أكبر الكاسبين ـــ حتى الآن، حاصداً بذلك تراكم انتصارات دامت سنواتٍ ثلاثاً، و«مؤدّباً» زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» مسعود البرزاني ـــ باستعادته معظم المناطق المتنازع عليها، إلى جانب محاولته «الجديّة» بـ«مكافحة فسادٍ» متجذّرٍ في مفاصل الدولة منذ سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003.

دعا ماكرون حكومة العبادي إلى «تفكيك الفصائل المسلحة، والحشد الشعبي»


كذلك، فإن العبادي يحظى بدعمٍ إقليمي ـــ دولي (في إشارةٍ إلى طهران وواشنطن) في تثبيت قواعد «حكمه»، كان آخرها بتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصاله الهاتفي، على «تمسّك باريس بوحدة الأراضي العراقية، ودعمه لبسط السلطة الاتحادية قواتها على كامل الأراضي والحدود العراقية»، مع تشديد الطرفين على «حلّ جميع المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل عن طريق الحوار».
وتفسّر مصادر حكومية اتصال ماكرون بالعبادي بمسعىً فرنسي لتفعيل حضور باريس في أروقة بغداد السياسية، بدءاً من أزمة بغداد ـــ أربيل (والتي نشبت على خلفية إجراء الأخيرة استفتاءً للانفصال)، إذ لفت ماكرون، خلال لقائه رئيس حكومة «إقليم كردستان» نيجيرفان البرزاني ونائبه قوباد الطالباني، في قصر الإليزيه، إلى «دعم بلاده لحقوق الأكراد ضمن الدستور العراقي»، داعياً بغداد إلى «تفكيك جميع الفصائل المسلحة غير الحكومية، بما فيها الحشد الشعبي»، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين من الساسة العراقين وعلى رأسهم النائب الأوّل لرئيس الجمهورية نوري المالكي، في حين لم يصدر عن العبادي ـــ برغم من اتصال ماكرون ـــ أي استنكارٍ أو تنديدٍ حتى.
ويربط البعض الاهتمام الأوروبي بالملف العراقي، واندفاع أبرز العواصم الأوروبية (باريس ولندن) وسعيها إلى «حلحلة» أزمات البلاد، بمسارين بارزين ذوي وجهين سياسيين ــ اقتصاديين؛ في الأوّل ــ وبالتزامن مع «ضبابية» المشهد أمام واشنطن، وعدم قدرتها على إتمام رؤيةٍ واضحة المعالم في العراق (بالرغم من تأكيد زوّار السفارة الأميركية في بغداد أن القوات الأميركية باقية في البلاد) ــ فإن الأوروبيين، من فرنسيين وبريطانيين، يسعون لتعزيز حضورهم وطرح مشاريعهم من خلال إثبات قدرتهم على «حلّ رعاية الأزمات». أما في الثاني، فإن «مرحلة ما بعد داعش»، ودخول بغداد ـــ بتعبيرها ـــ في مرحلة «إعادة بناء الدولة»، فذلك يعني فرص استثمارٍ كبرى في بلاد الرافدين، ليس على الصعيد النفطي فقط (مع توسعة بغداد خرائط تنقيبها)، إنما على صعيد الإنماء والإعمار، بمختلف تشعباته.
مرحلةٌ يدخلها العراق بإعلان انتصارٍ «مرتقب»، لكن سياقاتها تطرح تساؤلاً عن مدى الحضور الأجنبي مجدّداً، مع دخول لاعبين جدد، واتساع رقعة الصراع، مع بسط الدولة سيطرتها على أراضي البلاد.
(الأخبار)