تشير معطيات الجولة الجارية من محادثات جنيف إلى أنها ستنتهي من دون نتائج فعلية، باستثناء توضيحها الموقف الأميركي الضاغط باتجاه تمثيل الأكراد في الوفد المعارض. وينسجم هذا التوجه الأميركي مع الخطوات الجارية على الأرض، والتي تكرّس النفوذ الأميركي ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»؛ فبعد نهاية المعارك الكبرى ضد تنظيم «داعش»، كشفت واشنطن عمّا سمّته «أرقاماً أدق» بشأن عدد الجنود المنتشرين على الأرض في سوريا.
ووصل العدد وفق الحصيلة الرسمية إلى 1720 عنصراً، مع الإشارة إلى أنه رقم متغيّر وفقاً للاحتياجات. وبعد وقت قصير على التصريحات الأميركية التي ربطت وجود عناصرها بالتقدم على مسار الحل السياسي في جنيف، وبالتوازي مع كثافة التصريحات حول طبيعة الدعم الذي تقدمه واشنطن للأكراد في سوريا، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إريك باهون، أن بلاده ستحتفظ بوجود عسكري في سوريا «طالما دعت الضرورة»، مضيفاً أن ذلك «لدعم شركائنا ومنع عودة الجماعات الإرهابية إلى هذا البلد». ويأتي ذلك بعد وقت قصير على إطلاق مرحلة علنية من التعاون العسكري الروسي ــ الكردي في مناطق شرق نهر الفرات.
أما على الضفة الجنوبية للفرات، فيتابع الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم لوصل محوري القتال بين البوكمال وقرى جنوب شرق الميادين. وتمكنت القوات أمس من السيطرة على قرى الجلاء والرمادي والمسلخة والبرهوم وتل البني في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، ليصبحوا بذلك على مسافة أقل من 10 كيلومترات عن القوات الموجودة في منطقة الحمدان شمال مدينة البوكمال. وبالتوازي، كثّف «داعش» عملياته في محيط البوكمال، وحاول اختراق دفاعات الجيش عبر تفجير عدد من السيارات المفخخة.
وبالتوازي مع التطورات في الشرق السوري، بدأت المرحلة الثانية من اجتماعات الجولة الثامنة من محادثات جنيف، على شاكلة مرحلتها الأولى، بغياب الوفد الحكومي، من دون توضيحات حول نيته المشاركة في اللقاءات من عدمها. الأمر المؤكد أن الوفد الحكومي لم يغادر دمشق أمس، ونقلت مصادر مطّلعة على المحادثات أنه لا ينوي الالتحاق بجنيف اليوم أيضاً. ومن الملفت أن موسكو التي عملت بجدّ مع الرياض والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لم تعلّق على تفاعل دمشق المحدود مع جولة المحادثات الثامنة. وامتنعت المتحدثة باسم الأمم المتحدة في جنيف، أليساندرا فيلوتشي، عن الجزم بقضية مشاركة وفد دمشق، معلّقة للصحافيين بالقول: «ننتظر وصولهم، ونأمل أن يكونوا هنا قريباً جداً».
وشهد أمس لقاءً بين دي ميستورا والوفد المعارض، هو الرابع منذ انطلاق هذه الجولة قبل أسبوع من الآن. وفي تعليق أول من رئيس الوفد المعارض نصر الحريري حول غياب الوفد الحكومي، قال إن «النظام لم يأت للاستمرار في هذه الجولة من المفاوضات... ولن يتوقف عن اختلاق الذرائع». ورأى أن «من مسؤولية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوث الخاص أن يعلنوا أمام العالم من هو الطرف الذي يرفض المفاوضات».
وسواء حضر الوفد الحكومي الاجتماعات خلال الأيام المقبلة أو لم يحضر، لا يبدو أن الجولة الحالية من المحادثات ستحقق أيّ تقدم يذكر على صعيد نقاشات سلتي «الدستور» و«الانتخابات»، أو على غيره من الصعد. فالمفاوضات المباشرة التي عقد عليها الأمل قبيل انطلاق الجولة نسفت منذ يومها الأول، من دون أن تكون اجتماعات الغرفتين المتقابلتين ذات تأثير إيجابي على سير المحادثات. ورغم النشاط الديبلوماسي الغربي المرافق لمرحلتها الأولى، فقد انحصرت مطالبه وفق ما ظهر في الضغط الأميركي لإشراك الأكراد في المحادثات ضمن الوفد المعارض.
(الأخبار)