في مثل هذا اليوم منذ ثلاثين عاماً خرج الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلتين في تظاهرات ضد العدو الإسرائيلي، في ما عُرف لاحقاً بـ«الانتفاضة الأولى» أو «انتفاضة الحجارة». حينذاك، كانت دوافع الغضب كثيرة، منها سياسة القمع وإغلاق مناطق الضفة الغربية، إلا أن السبب الذي أدى إلى تحرك الفلسطينيين هو دهس باص إسرائيلي عمالاً متوجهين إلى عملهم.
أمس أعاد الفلسطينيون تكرار ما فعلوه في ٨ كانون الأول ١٩٨٧، فاليوم هناك أسباب كثيرة للتحرك، ولكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كان كافياً لتفجير غضبهم كله دفعة واحدة، فخرجوا في كل محافظات الضفة وبلدات القدس والداخل المحتل عام ١٩٤٨، لمواجهة جنود العدو في كل نقاط الاشتباك. كان أمس، شبيهاً بأيام الغضب إبان إغلاق العدو للمسجد الأقصى في شهر تموز الماضي، إذ شهدت المناطق الفلسطينية إضرابات عامة وإغلاق للمحلات ومسيرات وإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة رفضاً للقرار الأميركي.
وبعد صلاة الجمعة أمس، اندلعت مواجهات استمرت حتى المساء في مناطق الضفة والقدس وغزة، وقال جيش العدو إن المواجهات جرت في «30 موقعاً في الضفة الغربية وقطاع غزة»، وأدت إلى استشهاد الشاب محمود المصري (30 عاماً) خلال المواجهات مع العدو على حدود قطاع غزة الجنوبية، وإصابة ما يقارب 700 شخص بجروح وُصفت حال بعضها بالحرجة. وشهدت الضفة الغربية المحتلة مواجهات في غالبية المحافظات، كان أعنفها في مدينة الخليل وبيت لحم وبيت أُمّر، ومخيم العروب (جنوب الضفة) وطولكرم (شمال) وقلنديا (وسط).
وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إنه تعامل مع 767 إصابة في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة. أما في مدينة القدس، فتجمع مئات المتظاهرين بعد صلاة الجمعة، في منطقة «باب العامود»، حيث اعتدت الشرطة الإسرائيلية عليهم بضربهم بالهراوات. وشهدت مناطق أخرى في القدس ومحيطها مواجهات بين الشبان وجنود العدو، وخاصة على حاجز قلنديا العسكري (شمالاً)، وبلدتي العيزرية وأبو ديس (جنوباً).
وأدى نحو 27 ألف فلسطيني صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، بحسب تصريح صحفي لمدير المسجد الأقصى الشيخ عزام الخطيب. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد احتجزت البطاقات الشخصية للمصلين على بوابات المسجد الأقصى، قبل دخولهم لأداء الصلاة. ورأى خطيب المسجد الأقصى الشيخ يوسف أبو سنينة أن تلك القرارات الأميركية «باطلة وغير معترف بها، فالقدس إسلامية عربية فلسطينية شاء من شاء وأبى من أبى».
أما في غزة، فقد أصيب ما لا يقلّ عن 35 شخصاً، أحدهم في حالة حرجة خلال المواجهات التي اندلعت شرق القطاع. واشتبك الغزيّون مع قوات الاحتلال في 6 نقاط على طول السياج الحدودي. ولليوم الثاني على التوالي أطلق عدد من الصواريخ على المستوطنات المحيطة بالقطاع، ما دفع جيش العدو إلى الرد عليها وقصف مواقع للمقاومة في شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد ماهر عطا الله (54 عاماً) وإصابة 25 بجراح مختلفة. كذلك طلب جيش العدو من المستوطنين في محيط غلاف غزة البقاء بالقرب من الملاجئ. وتبادلت المقاومة في غزة مع العدو القصف الصاروخي حتى ساعات متأخرة من ليل أمس.
وشهدت مدن الداخل المحتل عام 1948 مسيرات في أم الفحم، كفر كنّا، كفر قاسم، طمرة، جلجوليا، كفر قرع وباقة الغربية، تلبية للدعوة التي وجهتها «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية» والتي دعت إلى أوسع تفاعل مع النشاطات الشعبية التي أقرتها تصدياً لقرار الإدارة الأميركية.
سياسياً، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، أن اعتراف ترامب بمدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، «يضرب الاستقرار الإقليمي والدولي». وقال في لقاء تلفزيوني إن حركته ستعمل على كافة المستويات لإسقاط القرار الأميركي وتحرير القدس وعودة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948. كذلك دعت حركة «الجهاد الإسلامي» إلى استمرار «انتفاضة القدس» في جميع أنحاء العالم، دفاعاً عن المدينة الفلسطينية المحتلة.
وعقد مجلس الأمن الدولي أمس، جلسة طارئة لبحث القرار الأميركي وعبّرت الأمم المتحدة، خلال الجلسة، عن «القلق البالغ إزاء مخاطر تصاعد العنف».
من جهته قال المندوب الدائم لدولة فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، إن «القرار الأميركي أدى إلى توترات في المنطقة وسيقود إلى تداعيات خطيرة»، معلناً أن «مصير القدس يتحدد من خلال المفاوضات، حيث تبقى القدس الشرقية أرضاً محتلة منذ عام 1967».
وأكد مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن، رفضهم للقرار الأحادي الجانب الصادر عن الإدارة الأميركية، لكونه يخالف قرارات الشرعية الدولية، ودعوا إلى احترام هذه القوانين، والوضع الراهن في مدينة القدس.
من ناحيتها، قالت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية إن «الأمم المتحدة تكنّ العدائية لإسرائيل ولم تكن شريكاً لعملية السلام وأضرت بها». وادعت أن قرار ترامب يعجّل في عملية السلام، مشيرة إلى أن «الوضع النهائي للقدس يتقرر وفق اتفاق الطرفين».
وقال رئيس مجلس الأمن الدولي (مندوب اليابان) إن «ترامب بقراره انسحب من دعم حل الدولتين للشعبين». من جهته، قال مندوب إسرائيل داني دنون، إنه لن يكون هناك سلام بين الفلسطينيين وبلاده من دون أن تكون «القدس كلها عاصمة لإسرائيل».