الغضب والاستياء كبيران في البحرين والمنطقة بعد الزيارة التي قام بها ما قيل إنه «وفد بحريني» للأراضي الفلسطينية المحتلة، في توقيت بشع، وعلى وقع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقد برز في الإعلام الدولي صورة رجل دين شيعي بلباسه الحوزوي، يحاول البعض استثمارها لزيادة الاحتقانات الطائفية في المنطقة، والقول إن من يسمونهم «الروافض» يسيئون إلى المقدسات! كذلك برز اسم جمعية «هذه هي البحرين»، التي شكّلت الوفد الذي يراد القول إنه يعبّر عن البحرين المتسامحة. فكيف يمكن فهم ذلك، في سياق محلي وإقليمي؟
تنشد حكومة البحرين، وأغلب الحكومات العربية، تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على فرضية أن ذلك يزيد من توثيق علاقاتها مع واشنطن، الحليف الأمني والسياسي للحكومات التي لا تستند إلى مرتكزات شعبية. وكما لا يراعي ترامب مشاعر المسلمين والمسيحيين، لا تبالي أغلب الحكومات العربية بوجهة نظر المواطنين ولا عواطفهم في القرارات التي يتخذونها.

الجمعية هي خلاصة مجموعة فعاليات
تواجه الانتقادات الموجهة إلى الحكومة

وفي أسوأ الأوقات تمضي قدماً في زيارات مسيئة، كالتي شهدتها القدس أخيراً من طرف ما قيل إنهم بحرينيون، على أمل أن يمنح ذلك حكومة المنامة أرباحاً أكبر، إسرائيلياً وأميركياً.
ًفي الواقع، إن الشواهد غنية بأن موقف المواطنين الشيعة، كما موقف المواطنين السنّة، موحد تجاه رفض زيارات كهذه. فلا تعبّر المجموعة التي سافرت إلى إسرائيل عن موقف الناس في البحرين، وعلى العكس، إن تحركها صدم الناس وأساء لها.
إن الرأي العام والقوى السياسية والنقابية مساند بالمطلق لحق الفلسطينيين في أرضهم، ورفض التطبيع مع إسرائيل. وفي الوضع الطبيعي، يمكن توقع خروج مسيرات عارمة في البحرين رفضاً للقرار الأميركي الأخير، وتنظيم تظاهرات، أيضاً، منددة بالزيارة «غير الشعبية» الأخيرة، لكن الوضع الأمني خانق لحرية الرأي والكلمة.
وقد بدا واضحاً من بعض التغطيات الإعلامية العربية والعبرية تسليط الضوء على رجل الدين المعمم بهدف خلط الأوراق، وهي محاولة مكشوفة ومكيفة ومصطنعة وغير قابلة للتصديق.
مع ذلك، أعتقد أن الرجل أساء كثيراً إلى عموم المسلمين والعرب، لكن إساءته أكبر لأهل البحرين والحوزات الدينية، مع أنه لا يمثلهم. وربما كان الأثر أخف لو كان الرجل يلبس زي الأفندية!
أما صاحبة المبادرة بالسفر للأراضي المحتلة، أي جمعية «هذه هي البحرين»، التي شكّلت الوفد، فإنها مؤسسة ترعاها الحكومة، وقد أشهرت رسمياً في مايو/ أيار الماضي، كخلاصة لمجموعة الفعاليات التي قام بها ناشطون حكوميون للرد على الانتقادات الموجهة إلى حكومة البحرين بعد هدمها أكثر من ٣٠ مسجداً للمسلمين الشيعة في ٢٠١١، عقاباً للمشاركين في تظاهرات ما عرف بالربيع العربي، حينها، الذي شمل البحرين ودولاً عربية أخرى.
الغرض الرئيسي من نشاطات الجمعية المذكورة، القول إن البحرين تسمح لجميع الأديان والطوائف بحرية ممارسة الشعائر، وأن لا صحة للحقيقة المتواترة، والقول السائد في التقارير الحقوقية الأممية والدولية إن البحرين تمارس اضطهاد الغالبية من شعبها.
تواجه حكومة البحرين إشكالها المحلي بعدة استراتيجيات، من بينها التقارب مع إسرائيل، وإظهار التسامح مع المجموعات الدينية غير المسلمة. ومن سوء طالع البحرين أن الحوار والتفاوض والمساواة بين المواطنين ليست من بين تلك الاستراتيجيات. ولعل العلاقة عكسية بين التقارب بين حكومة المنامة وإسرائيل، وابتعادها عن الناس.
* كاتب وصحافي بحريني