من الواضح العلاقة الوثيقة بين دعم الحكومة الإسرائيلية سنّ قانون يجيز الإعدام بحق كل مقاوم ينفذ عملية قاتلة ضد المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وبين مخاوفهم من مرحلة ما بعد إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
ويأتي طرح هذا المشروع ضمن سلة الخيارات التي يهدف العدو من ورائها إلى قمع الشعب الفلسطيني وردعه عن خيار الانتفاضة الشاملة. وبات هذا المطلب أكثر إلحاحاً بعد بروز مؤشرات عزَّزت القلق لديهم من إمكانية تحقق سيناريو الرعب الذي يقضّ مضاجعهم، في ضوء مواصلة الشعب الفلسطيني تحدي ومقاومة سياسات فرض الأمر الواقع في القدس والمناطق المحتلة. المعطى الإضافي الذي يعزّز التقدير بأن سنّ مثل هذا القانون في هذه المرحلة هو جزء من تكتيك المواجهة، وترجمة لمخاوف القيادة الإسرائيلية مما يخبئه الشعب الفلسطيني من مفاجآت، أنه سبق طرح هذا القانون في الهيئة العامة للكنيست عام 2015، لكن لم يؤيده آنذاك سوى حزب «إسرائيل بيتنا» في مقابل معارضة جميع الأحزاب، إضافة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ينص مشروع القانون الحالي على أنه في حال إدانة منفذ عملية بالقتل، بإمكان المحكمة العسكرية الحكم بالإعدام، بأغلبية عادية فقط، من دون وجود إمكانية لتخفيف قرار الحكم. ويأتي ذلك، في مقابل القانون الإسرائيلي الحالي الذي يسمح بفرض هذه العقوبة فقط إذا طلبت ذلك النيابة العامة العسكرية، وإذا صدّق عليه جميع القضاة في الهيئة القضائية العسكرية.
يتزامن هذا المسار القانوني مع سلسلة من الخطوات الأخرى التي تندرج في الإطار نفسه، وتهدف إلى الضغط على الشعب الفلسطيني عبر التلويح برفع مستوى تضحياته لغايات ردعية، وهو ما حضر لفظاً على لسان وزير الأمن أفيغدور ليبرمان الذي رأى أن «عقوبة الإعدام أداة رادعة مهمة». وفي السياق نفسه، يندرج اعتراض المجلس الوزاري المصغر على قرار المحكمة العليا التي رفضت حجز جثامين الشهداء، والتهديد الذي وجهه قبل أيام الجنرال عميران ليفين، بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن في أي حرب مقبلة.
ينطوي الحديث حول تشريع الإعدام في إسرائيل على قدر من التضليل الذي قد يؤدي إلى التغطية على عمليات الإعدام التي ينفذها جنود الاحتلال في الميدان، ولا يُحاكَم أي منهم إلا في حال توثيق ذلك، بما يؤدي إلى إحراج المؤسسة الإسرائيلية. مع ذلك، عندما جرى توثيق جريمة الجندي القاتل، إلئور أزاريا، الذي أعدم الشاب عبد الفتاح الشريف في العام الماضي، واضطرار المحكمة العسكرية إلى محاكمته نتيجة التوثيق الذي أثبت جريمته، جرى «إنقاذه» بعدما تعذرت تبرئته بالمطلق، عبر وضع الجريمة التي ارتكبها ضمن إطار القتل غير المتعمد ثم تخفيف عقوبته إلى الحد الأدنى.
في غضون ذلك، يسعى الإسرائيليون إلى تنظيم إجراءاتهم القمعية انسجاماً مع كونهم «دولة»، وهو ما يلزمهم بأن ينظموا سلوكهم التنكيلي بما يميزه عن سلوك العصابات الصهيونية التي ترتكب الجرائم «غير المنظمة قانونياً» بحق الفلسطينيين؛ بمعنى أن الفرق بين سياسة التنكيل الذي يمارسه الطرفان هو أن المؤسسات الرسمية تنظم قمعها وتنكيلها بحق الشعب الفلسطيني عبر إضفاء طابع قانوني عليه، فيما الآخر لا يكتفي بالحدود والقنوات والضوابط التي تحددها مؤسسات الكيان.
في الحالة الإسرائيلية تحديداً، تشكل مساعي الدفع بهذا التشريع ترجمة محدودة للحقد الذي يختزنه المسؤولون الصهاينة إزاء الشعب الفلسطيني، ومن جهة أخرى، يشكل أداة ــ من جملة أدوات وأساليب أخرى ــ تهدف إلى إخضاع الشعب الفلسطيني الذي يرون في موقفه الصامد وصرخته ضد الاحتلال إحياءً للقضية واستمراراً لإبقائها في صدارة المشهد، وتذكيراً بالمسؤولية الملقاة على عاتق شعوب ودول المنطقة في دعم الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال، وهو ما يتعارض مع المخطط الذي يستهدف تصفية هذه القضية وجعلها من الماضي في محاولة لحرف وجهة الصراع.
يعكس تشريع حكم الإعدام، الذي ما زال يحتاج قبل أن يدخل حيز التنفيذ إلى تشريعه كقانون في الكنيست، إدراك المؤسسة الإسرائيلية حجم التصميم الذي يتحلى به الشعب الفلسطيني في الصمود والمقاومة، وينطوي على إقرار من أعلى الهرم بفشل كل تجارب ومحاولات ومساعي تيئيس الفلسطينيين عن تبني خيار المقاومة، وتغيير سلم أولوياتهم باتجاهات تحددها وترسمها مصالح الأمن القومي الإسرائيلي وأنظمة متواطئة وأمراء طامحون. وتؤكد رسائل المسؤولين الإسرائيليين المتنوعة، وإجراءاتهم المتعددة، حقيقة أن منسوب المخاوف الإسرائيلية مما يختزنه الشعب الفلسطيني من إرادة المقاومة أكبر بكثير مما يحاولون الإيحاء به في وسائل إعلامهم وتقديراتهم إزاء مفاعيل ما بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بخصوص قضية القدس.
مع ذلك، وبغضّ النظر عن المسار القانوني الذي سيتخذه مشروع الإعدام، فإن مفاعيله غير مضمونة في تحقيق الأهداف المرجوة منه على مستوى ردع الشعب الفلسطيني. ويبدو من الفذلكة التي تُروَّج لسنّ هذا القانون أنه يستند إلى تصور مفاده أن الذين ينفذون العمليات ضد الإسرائيليين يراهنون على أن «يقبعوا في السجن، ويتمتعوا بظروف كهذه أو تلك وربما يتحررون في المستقبل، وحربنا ضدهم يجب أن تكون حازمة للغاية». لكن هذه النظرة تتجاهل حقيقة أن من ينفذون العمليات يتوجهون إلى تنفيذ مهمتهم وهم يحملون روحية الاستشهاد، ولهذا: كيف يمكن أن يجدي تخويفهم وردعهم بما هم مقبلون عليه، وعما يدركون مسبقاً أنه طريق شعبهم إلى التحرير؟
في كل الأحوال، أثبت عدد من التجارب أن الكثير من المخططات والرهانات الإسرائيلية كانت تعطي مفاعيل معاكسة لحقيقة أهدافها في اختبار الواقع، عندما كانت تصطدم بإرادة صمود صلبة وعزم راسخ على مواصلة الطريق. وهو ما يدفع إلى التساؤل عمّا سيكون عليه موقف القيادة الإسرائيلية عندما يتحول إعدام كل مقاوم إلى عامل استنهاض للشعب الفلسطيني، وإلى شعلة تُزخِّم انتفاضته. وفي هذه الحالة، يُتوقع أن تنقلب معادلة الرادع والمردوع على عكس ما كانت تخطط له المؤسسة الإسرائيلية.