لا مصلحة لإسرائيل في تدحرج الاحتجاجات مع قطاع غزة، بما يشمل «تنقيط» الصواريخ باتجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع، إلى مواجهة عسكرية شاملة. تقديرات إسرائيل شبه المعلنة، والتي تؤكدها النواحي الفعلية الإجرائية، أن الأفعال الفلسطينية حتى الآن «محمولة»، كثمن معقول للخطوة الأميركية تجاه القدس عاصمة لإسرائيل، وذلك في انتظار الهدوء الميداني وتراجع الاحتجاجات الفلسطينية. وخشية إسرائيل هي أن يتدحرج الطرفان إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة من شأنها أن تنقل الهبّة في الضفة والقطاع إلى انتفاضة ثالثة هي آخر ما تريده تل أبيب، حتى وإن كانت ثمناً للخطوة الأميركية.
أحد أهم العوامل التي تدفع إلى المواجهة العسكرية هو ردّ الفعل الإسرائيلي غير المحسوب وخارج قواعد الاشتباك على تساقط الصواريخ شبه اليومي منذ أسبوعين. واضح أن إسرائيل تحرص في سياق الرد على الصواريخ على ردّ تناسبي غير مفض إلى مواجهة، من أجل منع المواجهة الشاملة. على هذه الخلفية، ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات ولتساقط الصواريخ، حرصت تل أبيب على خطاب في اتجاهين: طمأنة المستوطنين من جهة إلى أن الجيش مستعد وجاهز لكل سيناريو ممكن، ومن جهة مقابلة ترهيب سكان غزة وفصائل المقاومة. وهو خطاب يهدف إلى منع التصعيد بمنع مسبباته: ردّ فعل عسكري على تساقط الصواريخ بما لا يفضي إلى مواجهة، ومنع الأصوات «المزايدة» على القرارات العسكرية والسياسية التي تسعى إلى منع المواجهة الشاملة.

كرر ليبرمان نظريته
عن أن الصواريخ
سببها «مشكلات فلسطينية داخلية»

على هذه الخلفية، بات بالإمكان فهم موقف وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، منذ اليوم الأول للاحتجاجات، القاضي بأن إطلاق الصواريخ من غزة هو نتيجة «خلافات داخلية فلسطينية»، وليس مجرد احتجاج على الخطوة الأميركية. فأمس عاد ليبرمان وكرر العبارات نفسها، وإن في سياق التلميح بـ«الانتصار» في المواجهة الحالية، عبر «الضربات المدروسة» في القطاع، مع توقع منه يفيد بأن الهجمات الصاروخية ستتوقف.
في لقاء جمع ليبرمان بقادة عسكريين ومسؤولي مجالس محلية في مستوطنات محيطة بغزة، قال إن «الصواريخ لن تستمر. وقد شهدنا يوماً من الهدوء التام (يقصد أول من أمس)». وأضاف أن هذه الهجمات هي «ثمن» تدفعه إسرائيل جرّاء اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، مستدركاً: «هذا ثمن علينا دفعه وسندفعه لقاء الحصول على شرعية المدينة كعاصمة لإسرائيل».
وفي محاولة من ليبرمان للتقليل من هواجس المستوطنين وقلقهم، أشار إلى أن الجلسة مع مسؤولي المستوطنات ركّزت على «الهواجس الضريبية والمشكلات الزراعية»، في محاولة منه للإيحاء بأن المستوطنين غير مبالين بالوضع الأمني وتساقط الصواريخ، لكنه أكد الخشية في معرض النفي، إذ أضاف أن «معظم الهلع هنا ناتج من (تصريحات صدرت عن) سياسيين في المعارضة، بينما القادة المحليون في المناطق المجاورة لغزة هادئون».
في مقابل التوجه التطميني للمستوطنين، أعاد وزير الأمن تأكيد ما ورد على لسانه قبل أيام من أن «صواريخ غزة ناتجة من خلافات فلسطينية داخلية، وهي لا تدل على انتهاء ردع الجيش الإسرائيلي لحركة حماس». وأشاد بـ«جاهزية الجيش غير المسبوقة»، لافتاً إلى أن هذه «الجاهزية هي السبب في تصرف حماس في الأيام الأخيرة ضد المجموعات التي تطلق الصواريخ من القطاع». وأضاف: «لهذا نرى حماس تعتقل عشرات السلفيين. وفي رأيي، بعد التحقيقات التي سيمرون بها، لن يعود أحد لإطلاق الهجمات، هذا إن عادوا أصلاً»، في إشارة منه إلى التحقيقات القاسية لدى الحركة.
صحيفة «إسرائيل اليوم»، شبه الناطقة بلسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أكدت في تقرير لها أمس أن «التوتر» في القطاع الجنوبي (مع غزة) لن ينتهي في الأيام القريبة المقبلة»، وهذا التقدير مبني كما تقول على معطيات «حتى وإن كان لإسرائيل وحماس مصلحة في وقف التوتر»، مشيرة إلى أن «المسافة غير قصيرة للتوقف، وفيها غير قليلٍ من الألغام»، كما لفتت إلى أن ما يحدث هو ثمن يستحق دفعه مقابل إعلان ترامب القدس.