يتهيأ السعوديون لشد الحزام هذا العام في ظل موجة غلاء كبيرة ضربت الأسواق فور إعلان البدء بحزمة «إجراءات» استفتح بها ولي العهد محمد بن سلمان العام الجديد، بدءاً من تطبيق ضريبة القيمة المضافة، إلى رفع أسعار الوقود والكهرباء، وليس انتهاء بارتفاع تكاليف الصحة والتعليم والغذاء والعقارات. فالمواطن الذي ارتبط اسمه بأعلى معدلات استهلاك للوقود والكهرباء في العالم، بات مفروضاً عليه تغيير سلوكه الاستهلاكي، نظراً للضرائب المرتفعة، ولارتباط ذلك بحجم الدعم الذي ينتظره من «حساب المواطن» إذا كان فقيراً أو من الطبقة الوسطى، ما يهدد هاتين الطبقتين في المملكة التي تضم أكبر عدد من المليارديرات على مستوى العالم العربي.
ضريبة على كل شيء «بلا رقابة»

ضريبة الـ5% التي بدأت المملكة تطبيقها، بموجب الاتفاقية الموحدة لدول مجلس التعاون، تستهدف بالدرجة الأولى المستهلك (المواطن) لكونها تفرض مرات عدة قبل وصولها إليه. فالقيمة المضافة، تمثل الفرق بين ثمن البيع (للسلعة أو للخدمة) وثمن كلفة الإنتاج، ويجري استيفاؤها في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية (الإنتاج، التوزيع، الاستهلاك)، ما يعني أن المستهلك هو من يتحمل هذه الضريبة بشكل كامل، فيما يعفي المنتج منها، كذلك فإنها تحمّل مختلف طبقات الشعب قيماً متساوية من الضريبة، نتيجة تحميلها على سلع أساسية، أي أن الفقير (والعاطل من العمل) يدفع كما يدفع الغني (التاجر أو المنتج).
وفي ظل غياب رقابة حقيقية لمكافحة الفساد، من المرجح أن تتخطى الضريبة آثارها المتوقعة، فهذا النوع من الضرائب يحتاج إلى رقابة قوية تفتقر إليها المملكة، وهو ما بدا في تصنيف مؤسسة الشفافية الدولية، السعودية في المرتبة 62 من بين 176 دولة عام 2016. وقد بدا ذلك جلياً في حجم المخالفات والشكاوى التي تخطت الـ120 مخالفة في مناطق عدة، بحسب ما ذكرت صحيفة «الحياة»، خلال ساعات قليلة من بدء تطبيق الضريبة أول من أمس، على الرغم من إعلان الحساب الرسمي للضريبة، تكثيف الرقابة على المنشآت التجارية لرصد المخالفات.
وعلى الرغم من تعدد أجهزة الرقابة على المال العام ومحاربة الفساد في المملكة وتداخل مهماتها، كـ«هيئة الرقابة والتحقيق» و«الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» و«ديوان المراقبة العامة»، لكن جميع هذه الأجهزة، لا تؤدي دورها في حماية المواطنين ومحاربة الفاسدين، بإقرار من كتاب وخبراء اقتصاديين سعوديين كبار، كتبوا في الآونة الأخيرة، عن ممارساتها وفشلها في الصحافة السعودية، فيما كانت الأخيرة تمهد، من خلال كشف عورة تلك الأجهزة، لأمر ملكي صدر في تشرين الثاني الماضي، من شأنه تركيز الأجهزة الرقابية في «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» التي يرأسها ولي العهد، وبعضوية من رؤساء الأجهزة الرقابية الثلاثة، ما يشي بأن اللجنة الجديدة لا تختلف عن سابقاتها من حيث الأداء، إنما فقط تمنح محمد بن سلمان سلطات أوسع.

تطبيق الزيادة جاء
بنسب زيادة عالية جداً
في أسعار البنزين

وبدا ذلك، في القرارات السريعة التي اتخذتها اللجنة بالتزامن مع الأمر الملكي، الذي تضمن إعفاء متعب بن عبدالله من منصبه وزيراً للحرس الوطني، ليتم احتجازه في ما بعد، إلى جانب عشرات الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين والحالييين في فندق «ريتز كارليتون» في الرياض تحت عنوان الفساد، قبل إنشاء تسويات معهم على أساس المال مقابل الحرية.
وفي ما يبدو أن «لجنة محمد بن سلمان» عازمة على ملاحقة المواطنين هذه المرة بتهم الفساد والتخلف عن دفع الضرائب، طالب السعوديون، أمس، بحقهم في التمثيل السياسي وبرلمان منتخب يحاسب الحكومه، عبر وسم «لا ضرايب بدون تمثيل 260» في «تويتر»، متسائلين: لماذا يراد من المواطنين أن يكونوا «شركاء» في مصدر دخل للدولة وأن لا يكونوا كذلك في اتخاذ القرار والرقابة والمحاسبة؟ واعتبروا أنه من دون تمثيل سياسي، «ستتكرر قضايا الفساد من أمراء ووزراء ورجال أعمال، ثم يخرجون بلا محاسبة ولا محاكمة»، فيما يدفعون هم ثمن انخفاض إيرادات الدولة، مؤكدين أنّ «التغيير الاقتصادي مرتبط بالتغيير السياسي».

«حساب المواطن» يتبخّر

تطبيق الزيادة الجديدة في أسعار الطاقة في الأسواق المحلية، جاء بنسب زيادة عالية جداً في أسعار البنزين أول من أمس، راوحت بين 83% و127% دفعة واحدة بحسب نوع البنزين، بشكل يفوق التوقعات القصوى التي أوردتها وكالة «بلومبيرغ»، والتي قدرت الشهر الماضي، أن تكون بنسبة 80% ضمن خطة تدريجية للوصول بأسعار الوقود بالسوق المحلية إلى مستوى الأسعار العالمية، في حلول عام 2023 إلى عام 2025، بدلاً من عام 2020 كما كان مخططاً من قبل.
الأسعار الجديدة التي تشتمل على ضريبة القيمة المضافة، بحسب وزارة الطاقة، هي محاولة للبحث عن إيرادات مالية جديدة للدولة في ظل تأزم الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط بشكل أساسي، بعد انخفاض أسعاره، قبل أن تستقر إلى نحو 65 دولاراً حالياً، إلا أنّ خبراء اقتصاديين أكدوا أن ارتفاع أسعار الوقود سينعكس سلباً على قطاعات عديدة، منها القطاع الصناعي.
وفيما تشمل أولى دفعات برنامج «حساب المواطن»، التي صرفت الشهر الماضي للمستفيدين، فرق التكلفة في تعريفة الكهرباء والوقود بين الأسعار السابقة والأسعار الجديدة، يبدو أن الدعوم المقدمة لسد الفجوة، قد تبخرت مع ارتفاع أسعار البنزين والكهرباء. ففي حساب بسيطة بناءً على متوسط دخل الفرد ومعدل استهلاك الفرد السنوي في المملكة من البنزين، تأخذ التكاليف الإضافية على البنزين، ما تمثل نسبته من 30 إلى 40% من «حساب المواطن»، إذ تتوقع شركة «جدوى» للاستثمار (مقرها الرياض)، ارتفاع متوسط دخل الفرد إلى 23.18 ألف ريال في 2018، ويستحق هذا الفرد بحسب حاسبة «حساب المواطن»، مبلغ 340 ريالاً في الشهر، فيما يمثل معدل استهلاك الفرد السنوي في المملكة من البنزين، بحسب صحيفة «اليوم»، أكثر من 950 ليتراً سنوياً، أي ما يعادل 80 ليتراً شهرياً تقريباً، إذ زادت تكلفتها وفق موقع (banzeen.info) الذي خصصه أحد المواطنين لحساب الفارق بين التكاليف، قبل وبعد ارتفاع الأسعار، لتصبح ما بين 49 ريالاً و63 ريالاً بحسب نوع البنزين (91 أو 95).
أما الزيادة في فواتير الكهرباء، فتبدو أكبر بكثير من «حساب المواطن» بناءً على متوسط دخل الفرد، فاستناداً إلى التسعيرة الجديدة، التي أعلنتها هيئة تنظيم الكهرباء، ووفقاً لشرائح الاستهلاك بحسب تقدير لقناة «العربية»، ستصل فاتورة الاستهلاك للشريحة الأقل (من 6000 كيلو واط ساعة) إلى 1080 ريالاً بعد أن كانت 700 ريال، بينما الشريحة الأعلى (من 6000 كيلو واط ساعة)، فتصبح 1680 ريالاً، بعد أن كانت 1300 ريال، أي بزيادة 380 ريالاً، وهي تفوق دعم البرنامج للمواطن ذو الدخل المتوسط، فكيف بالفقراء؟
أما الأغنياء وأصحاب العمل، فلم يسلموا أيضاً، إذ بدأت وزارة المالية، اعتباراً من أول من أمس، في فرض رسوم عالية على الشركات، بواقع 300 إلى 400 ريال شهرياً حسب أعداد العمالة الوافدة، على الرغم مما تعاني منه أصلاً من ركود في الأسواق، وسيتحمل صاحب العمل دفع هذه الرسوم وليس العامل، استناداً إلى «المادة الرقم 40» من نظام العمل.




تذمر شعبي: «يرحم أيامك يا بو متعب»!

لم يستطع جيش محمد بن سلمان، كظم غيظ السعوديين في «تويتر» الذين باتوا يلتمسون «التحول» الذي أنهى مرحلة استقرارهم، كما توقع صندوق النقد الدولي في تقرير منشور على موقعه، في آب عام 2015، بعد أشهر على تولي سلمان الحكم. وفيما طالبوا بوقف الإجراءات وفرض ضريبة على الدخل بدلاً من القيمة المضافة، لإعفاء الفقراء والطبقة الوسطى، وحل مشكلة البطالة، جددوا مطالبهم بقرارات زالت مع رحيل الملك عبدالله، كـ«إعادة العلاوة السنوية بأثر رجعي»، والتي أُوقفَت في أيلول عام 2016 ضمن إجراءات تقشف، ويبلغ عدد مستحقيها نحو مليونين، وتراوح بين 135 إلى 865 ريالاً، وكانت تضاف إلى رواتبهم بداية كل عام. كذلك طالبوا بإعادة صرف الرواتب وفق التقويم الهجري، بعدما قررت مجلس الوزراء أواخر عام 2016، صرفها بالتقويم الميلادي، لتوفير 14.9 مليار ريال (قرابة 4 مليارات دولار) على حساب رواتبهم، بحسب إحصاء لوكالة «الأناضول»، معتمد على معطيات رسمية، لكون السنة الميلادية تزيد على الهجرية عادة بنحو 11 يوماً.
وفي ظل أزمة السكن التي تفاقمت مع القرارات الجديدة، طالب المغردون أيضاً بإعادة قرض «صندوق التنمية العقاري» إلى وضعه السابق، قبل قرار وزارة الإسكان بإحالة المستفيدين للمصارف التي تجبر المواطن على دفع فوائد عالية، وتفرض شروطاً صعبة، لا تسمح لجميع السعوديين الاستفادة منها.