تواصل القوات الموالية لتحالف العدوان محاولاتها للتقدم في محافظة الجوف، في إطار خطة جديدة تفترض أنها ستمكّنها من بلوغ محافظة صعدة والعاصمة صنعاء، التي لا تزال مستعصية على تلك القوات منذ ما يزيد على عامين. يأتي ذلك في وقت يكثّف فيه نائب الرئيس المستقيل، علي محسن الأحمر، جهوده لترتيب أوراق المعسكر التابع لـ«التحالف»، عبر محاولته استقطاب القيادات العسكرية «المؤتمرية»، ورصّ صفوف «الإصلاحيين» في اتجاه الدفع بمعركتَي صنعاء والساحل الغربي قُدُماً. محاولات تقابلها «أنصار الله» بتكثيف مساعيها في تعزيز وحدة الجبهة الداخلية، إلى جانب عملياتها العسكرية المتواصلة على الحدود وفي الداخل.
وأعلنت «أنصار الله»، أمس، «إجراء تجربة ناجحة لصاروخ باليستي على هدف عسكري في السعودية». وأوضحت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، «سبأ»، أن «الصاروخ، القصير المدى، استهدف معسكر قوة الواجب التابع للجيش السعودي في نجران». وأكدت قيادة تحالف العدوان انطلاق الصاروخ، لكنها قالت إنها «تمكنت من اعتراضه فوق نجران». وجدد المتحدث باسم قيادة «التحالف»، تركي المالكي، اتهامه إيران بالوقوف وراء «هذا العمل العدائي»، مكرراً دعوته المجتمع الدولي إلى «اتخاذ خطوات جدية لوقف الانتهاكات الإيرانية». بالتوازي مع ذلك، أعلنت القوة الصاروخية في الجيش واللجان الشعبية «استهداف تجمعات الجنود السعوديين في جنوب الموسم بجيزان بصاروخ من نزع زلزال 2»، متحدثة عن «سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم». وعلى المقلب الداخلي، أعلنت القوة الصاروخية، أيضاً، أنها أطلقت صاروخاً باليستياً من نوع «قاهر M2» على «تجمعات المرتزقة في الساحل الغربي»، مؤكدة أنها «حققت إصابات مباشرة في صفوف العدو وعتاده».

الأمم المتحدة: اليمن إن لم تتغير أوضاعه فقد يشهد أسوأ كارثة إنسانية في 50 عاماً


وترافق الإعلان عن تلك العمليات مع تأكيد إصابة رئيس هيئة الأركان العامة في القوات التابعة للرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، طاهر العقيلي، في «كمين للجيش واللجان الشعبية في مديرية خب والشعف في الجوف»، بحسب ما ذكرت «سبأ». ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري في محافظة الجوف قوله إن «المدعو العقيلي أصيب اليوم بجروح خطيرة نُقل على إثرها إلى العاصمة السعودية الرياض، برفقة عدد من القيادات البارزة للمرتزقة (مِمَّن) سقطوا قتلى وجرحى». وكانت القوات الموالية لهادي قد اعترفت بإصابة العقيلي في ما قالت إنه «انفجار لغم أرضي من شرور المخلفات الانقلابية للميليشيات الحوثية»، واصفة إصابته بـ«الخفيفة». وأفاد مصدر عسكري من تلك القوات بأن «اللغم انفجر في السيارة المدرعة التي كان يستقلها العقيلي» ومعه محافظ الجوف، أمين العكيمي، أثناء تفقدهما «مواقع القوات الحكومية في مديرية خب والشعف»، ما أدى إلى إصابة الأول ونجاة الآخر من الحادث.
ويمثل استهداف الرجل الأول في قوات هادي داخل مديرية خب والشعف ضربة صادِمة لعمليات «التحالف» هناك، خصوصاً أن قائد «اللواء الأول لحرس الحدود» في قوات «الشرعية»، هيكل حنتف، كان قد أعلن، أول من أمس، «تحقيق أهداف الخطة الأولى من تحرير مديرية خب والشعف في محافظة الجوف بنسبة 100%». ضربة يعزّز مضاعفاتها تمكن الجيش واللجان الشعبية، أمس، من السيطرة على سلسلة جبال قعيطة الاستراتيجية في مديرية المتون في محافظة الجوف، والمطلة على الطريق العام الرابط بين المتون ومديرية الحزم، مركز المحافظة. وبذلك، يكون الجيش واللجان قد سيطرا نارياً على الطريق المذكور، وقطعا خط إمداد رئيسياً لقوات هادي في جبهة المتون، بحيث لم يبقَ لتلك القوات «إلا الصحراء» وفق تعبير مصدر عسكري في «أنصار الله». توصيفٌ تؤكده مصادر محلية في محافظة الجوف؛ إذ تقول إن القوات الموالية لـ«التحالف» لم تتمكن من تجاوز صحراء اليتمة التي تتحرك داخلها بتغطية من مقاتلات العدوان.
وتأتي محاولات قوات هادي للتقدم داخل محافظة الجوف، في إطار مساعيها المستميتة لطرق باب محافظة صعدة، في وقت يكثف فيه الجنرال علي محسن الأحمر تحركاته الرامية إلى تجميع «الإصلاحيين» و«المؤتمريين» المناوئين لـ«أنصار الله» في خندق واحد، وذلك بالتنسيق مع الرياض وأبو ظبي. وتفيد المعلومات المتداولة بهذا الشأن بأن الأحمر يتزعم العمل الجاري على إخراج القيادات «المؤتمرية» من العاصمة صنعاء، ونقلها إلى محافظة مأرب التي تتخذ منها «الشرعية» مركزاً لإعداد «خططها العسكرية»، وكذلك إلى الرياض وأبو ظبي حيث ينصبّ الجهد على لملمة شتات «المؤتمر» من دون نتيجة واضحة إلى الآن. وتجلت آخر «إنجازات» الأحمر في هذا المجال في استقدامه رئيس الأركان السابق لقوات هادي، محمد علي المقدشي، من الرياض إلى مأرب، وتكليفه الإشراف على جبهات نهم والجوف، بالتوازي مع لقائه العميد أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس السابق، في الإمارات، بترتيب من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد. يُضاف إلى ما تقدم ظهور قيادات من حزب «المؤتمر» في مدينة مأرب، في وقت لا يكف فيه الجنرال الأحمر عن التشديد على «ضرورة تكثيف التواصل بمختلف مكونات العاصمة وقياداتها لتلحق بمن سبقها في ركب الشرعية، ومواجهة الانقلاب الحوثي».
إلا أنه، على الرغم من كل ما يبذله نائب الرئيس ورجالاته من جهود، لا يبدو، إلى الآن، أن ما يصبون إليه سيتحقق بيسر وسرعة هم في حاجة مسيسة إليهما؛ بالنظر إلى أن أي استطالة إضافية ستدخل «الخطط الجديدة» في الثلاجة، شأنها شأن ما سبقها. مبرر ذلك أن معظم القيادات «المؤتمرية» أو المحسوبة على «المؤتمر»، التي يمكنها تغيير المعادلة فعلاً، لا تزال في صف «أنصار الله»، إما مقاتِلةً إلى جانبها كما في جبهة الجوف حيث يقود المعارك رجال قبليون متحدرون من مشائخ ذوي تأثير وازن داخل المحافظة (حفيد شيخ مشايخ بكيل، ناجي عبد العزيز الشايف، نموذجاً)، وإما مسانِدةً لها من العاصمة صنعاء. واقع يضاعف صعوباته، بالنسبة إلى الأحمر ومن ورائه قيادة «التحالف»، أن محاولات استقطاب «المؤتمريين» لا تفتأ تعمّق الانقسام داخل حزب «الإصلاح»، الذي يخشى «جناحه الشبابي» من أن يكون «الحزب» مجرد وقود لمعركة سعودية - إماراتية جديدة، في قبالة جناحه التقليدي الذي تربطه علاقات متقادمة بالجنرال الأحمر.
إلى ذلك، حذّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، من أن اليمن «إن لم تتغير أوضاعه فقد يشهد أسوأ كارثة إنسانية في 50 عاماً».
ووصف في حديث تلفزيوني أوضاع الشعب اليمني «بأنها تبدو كالحال في يوم القيامة». وأشار تقرير أخير للأمم المتحدة إلى أنّ «ما يقدر بنحو 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى أن الملايين بحاجة إلى ضمان بقائهم على قيد الحياة». وأضاف أن «الاقتصاد اليمني انكمش منذ اندلاع الصراع، ما أدى إلى تسريح 55% من القوة العاملة».