الجزائر | أصبحت القرارات الاقتصادية تستحوذ على الاهتمام الأكبر في الجزائر، نظراً إلى حساسية الظرف الذي تعيشه البلاد بعد تراجع أسعار النفط منذ منتصف سنة 2014. وتعتمد الجزائر بنحو 98 في المئة من مواردها المالية من العملة الصعبة على المحروقات التي تصدرها، كما أن الجباية البترولية تشكل نحو ثلثي ميزانية الدولة، وهي بذلك تمتلك اقتصاداً مرتبطاً عضوياً بالمحروقات، ما يجعلها تتأثر بأي حركة في السوق العالمية.
وقد أدى تراجع الموارد المالية، إلى اعتماد البلاد على سياسة «تقشف» واضحة تهدف إلى التقليل من الاستيراد من أجل منع تآكل مخزون العملة الأجنبية الذي نزل من 200 مليار دولار في 2014 إلى نحو 100 مليار دولار حالياً. وفي هذا الصدد، أقرت الحكومة عدة إجراءات، من بينها منع استيراد 900 منتج أجنبي في سنة 2018 واللجوء إلى طبع العملة الورقية من أجل سد العجز في الميزانية في مقابل خيار الاستدانة الخارجية.
ويرى الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، في تصريح لـ«الأخبار»، أن كل هذه «الإجراءات المتخذة في مواجهة الأزمة تمتاز بالطابع الظرفي وتفتقر إلى الرؤية التي تتيح للاقتصاد الجزائري التحول من طابعه الريعي إلى الطابع المنتج». وقال في هذا السياق: «السياسات المتبعة في الجزائر أثبتت محدوديتها، لأن النموذج المتبع يرتكز أساساً على البيروقراطية الثقيلة وتوسع القطاع العام، في مقابل تهميش القطاع الخاص والتضييق على حرية الاستثمار، في حين أن دور الدولة ينبغي أن يكون ضابطاً للنشاط الاقتصادي لا متدخلاً فيه بشكل مباشر من أجل خلق الثروة».
وبفعل هذه الأزمة المالية التي بدأت تتحول إلى أزمة اقتصادية بعد ارتفاع نسب البطالة لدى الشباب إلى نحو 25 في المئة، تثار مخاوف من أن يشهد هذا العام اضطرابات اجتماعية كبيرة، لم تعد السلطات قادرة على إسكاتها كما في الماضي عن طريق ما يعرف بـ«سياسة شراء السلم الاجتماعي» (توزيع أموال النفط بشكل عشوائي على الفئات المحتاجة).

أدى تراجع
الموارد المالية إلى اعتماد البلاد على سياسة تقشف
وقد ظهرت أولى إرهاصات هذا العام، في احتجاج واسع قام به طلبة التخصصات في الطب رفضاً لإجبارهم على العمل في ظروف غير لائقة. وقابلت قوات الشرطة هذا الاحتجاج برد عنيف، أدى إلى تسجيل إصابات في صفوف الأطباء، وهو ما ولّد موجة إدانات واسعة من الأحزاب السياسية المعارضة ومن منظمة العفو الدولية التي أدانت بشدة اللجوء إلى العنف لإسكات مطالب اجتماعية. وتبرر السلطات قمع أي تظاهرة في الجزائر العاصمة، بوجود نص قانوني يمنع ذلك يعود إلى سنة 2001، تاريخ التظاهرة الكبرى التي نظمها أمازيغ الجزائر وأدت إلى مواجهات عنيفة.
ويتوقع أن يأتي الخطر الأكبر، على صعيد الجبهة الاجتماعية، من موجات الغلاء الكبيرة التي تشهدها البلاد، في مختلف أنواع السلع والبضائع التي تضاعف ثمن بعضها. وتعود أسباب هذه الزيادات إلى رفع الدولة في موازنة سنة 2018 جزءاً من الدعم عن المواد الأساسية، فقد زادت أسعار البنزين والمازوت بنحو 15 في المئة، مخلفة ارتفاعاً في باقي المواد التي تعتمد في نقلها على الطاقة. كما أن سعر العملة الرسمية لا يتوقف عن الانحدار مقابل اليورو والدولار، ما تسبب في رفع أسعار كامل المواد المستوردة، فضلاً عن حالة الندرة التي ولدتها سياسات الحكومة التقشفية في بعض السلع وخاصة السيارات. وتشهد الجزائر، في كل سنة، مئات الاحتجاجات المحلية، على تدني الخدمات العمومية في البلديات، إلا أنها لا تصل إلى درجة إقلاق السلطات المركزية في العاصمة، كونها لا ترفع أي مطالب سياسية.
ويحيل هذا الوضع، إلى الواقع السياسي الذي يعرف غموضاً كبيراً في ما يخص الانتخابات الرئاسية لسنة 2019. ويترقب السياسيون في الموالاة والمعارضة، بحذر شديد، موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إزاء مسألة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وهو القرار الذي ستبنى عليه مواقف كثير من منافسيه في الساحة. وعلى الرغم من مرض بوتفليقة الذي منعه من مخاطبة الجزائريين طيلة ولايته الرابعة، إلا أن أنصاره يرون إمكانية استمراره لولاية أخرى، طالما أنه ليس هناك أي موانع قانونية تجاه ترشحه. وقد بدأت تظهر في الساحة تنسيقيات لمساندة الرئيس يقودها شخصيات تنتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، بمبرر أن استمرار الرئيس سيضمن للجزائر الاستقرار في ظل الأوضاع الإقليمية المتدهورة التي تحيط بها. وعلى عكس ذلك، يرى معارضو الرئيس أن ترشحه سيقتل أي أمل في المنافسة، وسيقذف بالبلاد إلى أتون المجهول، كون الرئيس ــ في نظرهم ــ لا يمتلك القدرة الجسمانية على الحكم.