القاهرة | شهدت مصر على مدار اليومين الماضيين تطورات دراماتيكية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي تقرر إجراؤها خلال آذار المقبل، وهو موعد أقرب على الأقل بشهر واحد من الموعد الذي كان متوقعاً، ما يربك حسابات المرشحين المحتملين كافة، ويعزز فرص الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، المرشح الأوفر حظاً للاستمرار حتى 2022 على الأقل.
فعملياً، وضعت «اللجنة العليا للانتخابات» جدولاً زمنياً لا يجعل أي مرشح بخلاف السيسي قادراً على الترشح، إذ حددت العشرين من كانون الثاني الجاري موعداً لفتح باب الترشيحات، وذلك في مهلة أقصاها يوم التاسع والعشرين من شباط المقبل، وهو ما يجعل من الصعب للغاية ــ أو ربما شبه المستحيل ــ لأيّ مرشح يرغب في المنافسة تلبية الشروط، التي منها جمع 25 ألف توكيل خلال 21 يوماً، وتوثيقها في الشهر العقاري، الذي لم يعلن بدوره موعد تلقي طلبات الترشح بعد.
وستكون هناك استحالة تنظيمية على الأقل في جمع التوكيلات وتقديمها إلى اللجنة قبل موعد إغلاق باب الترشح، خاصة أن الاشتراط القانوني والدستوري بأن تُجمع التوقيعات من 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف توكيل لكل محافظة، سيحتاج إلى دعم لوجستي وتنسيق لا يتوافر لدى جميع من أعلنوا نيتهم الترشح، علماً بأن سوابق جمع التوكيلات الشعبية في انتخابات 2012 أكدت بما لا يدع مجالاً للشك ضرورة جمع أكثر من ألف توكيل إضافي، على الأقل، بسبب عدم وضوح الأختام في التوكيلات أو نقصان بياناتها.
الطريق الآخر، والأسهل، للترشح هو طرق باب نواب البرلمان، إذ يشترط الدستور الحصول على توقيع 20 نائباً على الأقل لاعتماد الشخص مرشحاً رئاسياً، لكن غالبية نواب البرلمان يدعمون السيسي، ولا يتوقع حدوث مفاجآت إلا إذا تمكن المرشح المحتمل خالد علي من الحصول على توقيعات نواب تحالف المعارضة، أو استطاع النائب المسقطة عضويته محمد أنور السادات الحصول على العدد نفسه من زملائه السابقين، خاصة أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع غالبية النواب بغضّ النظر عن الاختلاف السياسي.
وصحيح أن «اللجنة العليا» أعلنت فتح 389 مكتباً في الشهر العقاري لتسجيل تأييد الناخبين للمرشحين بالتوكيلات، لكن معظم تلك المكاتب لا يمتلك القدرة على إنجاز التوكيلات المطلوبة في أقل من ثلاثة أسابيع، فضلاً عن أن المسافات بين المدن وتحركات جمع التوكيلات تستغرق على الأقل شهراً من العمل المكثف، وهو أبسط الشروط التي أُخِلَّ بها لتحقيق تكافؤ الفرص بين المرشحين الراغبين في الاعتماد على توكيلات المواطنين وبين أجهزة الدولة التي تعمل لمصلحة السيسي، سواء في جمع التوكيلات الشعبية أو تواقيع النواب.
بذلك، تكون لجنة الانتخابات الرئاسية قد حوّلت عملياً انتخابات 2018 إلى ما يشبه الاستفتاء على تأييد السيسي، إذ منحت للتصويت ثلاثة أيام خارج مصر وداخلها، وحددت حملة انتخابية على مساحة مليون كيلومتر مربع بأقل من 30 يوماً، فيما ستعلن نتيجة الجولة الأولى التي ستكون حاسمة في الثاني من نيسان المقبل، لتسدل الستار عن أقصر معركة انتخابية، رغم وضوح الرؤية بشأنها منذ مدة طويلة. وأعلن رئيس «الهيئة الوطنية للانتخابات»، المستشار لاشين إبراهيم، أن العملية الانتخابية ستُجرى تحت إشراف قضائي كامل، على أن يكون كل صندوق تحت إشراف قاضٍ، مؤكداً «التزام إجراء الانتخابات وفقاً للأسس المتعارف عليها، والوقوف على مسافة واحدة من كل المرشحين».
وقبل ساعات من إعلان الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية، استعرض السيسي، في زيارة أذيعت تلفزيونياً، عدداً من المشاريع التي أنجزها منذ وصوله إلى الحكم في حزيران 2014، وذلك ضمن افتتاحه مجموعة من المشاريع الجديدة التي وصفها بالعملاقة. كذلك استعرض عدد من الوزراء ما تحقق في مجال الصناعة والطرق وبناء المساكن، وحرصوا على مقارنتها بمعدلات الإنجاز خلال مدة حكم حسني مبارك، وتلك التي أعقبت «ثورة 25 يناير»، مؤكدين أن نسب الإنجاز فاقت 150% على الأقل في مختلف المجالات.
ولم يعلن السيسي حتى اللحظة قراراً نهائياً بخوض سباق الانتخابات، لكن مقربين منه قالوا إنه سيقدم أوراق ترشحه في اللحظات الأخيرة، على أن يعلن القرار عبر كلمة موجهة إلى المواطنين. كذلك، لم يعلن أي من المرشحين المحتملين ــ سواء خالد علي أو محمد أنور السادات ــ موقفاً من الجدول الزمني ومفاجآت المواعيد التي أعلنتها اللجنة.
في المقابل، استبق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، ووصيف انتخابات عام 2012، الفريق أحمد شفيق، مواعيد إعلان الانتخابات بتراجعه عن خوض السباق، وذلك في بيان مقتضب، عدّل فيه موقفه الذي أعلنه الشهر الماضي في الإمارات قبل ترحيله إلى مصر وإقامته في أحد الفنادق الكبرى في القاهرة تحت حراسة أمنية مشددة باعتباره رئيس وزراء أسبق.
وفي كل الأحوال، كسب شفيق من حالة الجدل التي أثارها خلال المدة الماضية عدة نقاط، أُولاها عودته إلى القاهرة ليعيش فيها حراً طليقاً دون ملاحقة قضائية محتملة على الإطلاق، بعدما هبط في مطار العاصمة بحفاوة استقبال بالغة، وبعدما حفظت جميع البلاغات المقدمة ضده أمام النيابة العسكرية، بالإضافة إلى ضمان عدم ملاحقة بناته قضائياً لدى عودتهنّ إلى البلاد أو إجبارهنّ على التنازل عن أموال وعقارات كما حدث مع بعض أبناء الوزراء السابقين. كذلك سيبقى شفيق على رأس حزبه «الحركة الوطنية»، وسيتحرك سياسياً مجدداً بعدما عاش معزولاً بصورة كبيرة في الإمارات على مدار أكثر من خمس سنوات.