اقترب الجيش السوري أمس من تحقيق الهدف الأولي المفترض للعمليات العسكرية الجارية في ريف إدلب الشرقي، وهو استعادة السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري، وحصار جيب واسع يمتد نحو ريفي حلب وحماه، وتسيطر عليه عدة فصائل مسلحة، أبرزها «هيئة تحرير الشام». التقدم الأخير جاء سريعاً، بعدما ثبّت الجيش نقاطه خلال اليومين الماضيين في بلدة سنجار ومحيطها، ووصل خلاله الجيش إلى بعد كيلومترات قليلة عن المطار، إلى جانب قطع الطريق الرئيس الواصل بينه وبين معرة النعمان، ليبقى طريق اتصاله الوحيد نحو قلب إدلب، هو الطريق الواصل إلى سراقب.
وأمّن الجيش عبر تحركه أمس، السيطرة على قرى العوجة والحردانة وحرملة وكراتين صغيرة وكراتين كبيرة، إلى جانب أم مويلات شمالية، وغيرها. وبهذا التقدم، تقلّصت المسافة التي تفصل هذه الجبهة عن القوات المتمركزة في ريف حلب الجنوبي في محيط بلدة الحاضر، إلى نحو 25 كيلومتراً، وهي مسافة باتت المعبر الوحيد للمسلحين المتمركزين في جيب واسع يمتد من شمال الرهجان (ريف حماه) حتى محيط أبو الضهور، مروراً بغرب خناصر (ريف حلب)، نحو بلدات وسط إدلب. وتمكن الجيش أيضاً، من التقدم على جبهة ريف حماه الشمالي الشرقي، وفرض سيطرته على بلدتي الرهجان والشاكوسية، اللتين تعَدّان أبرز معاقل المسلحين في تلك المنطقة، وسبق أن شهدتا معارك عنيفة بين «داعش» و«تحرير الشام».

جدد أردوغان التلويح
بإطلاق عمل عسكري ضد
عفرين ومنبج

وفي أول تصريح تركي رسمي بشأن العمليات العسكرية التي تجري في ريف إدلب، اعتبر وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، أن هجوم الجيش السوري يستهدف فصائل المعارضة بحجة قتال «جبهة النصرة». وحذّر خلال تصريحات للصحافيين في البرلمان التركي، من أن هذه الهجمات تهدد مسار الحل السياسي، والاستعدادات الجارية لعقد لقاء سوتشي (مؤتمر الحوار الوطني) في روسيا. وقال إنه «جرى الاتفاق على أن تقع إدلب ضمن مناطق تخفيف التصعيد، لكن الهجمات الأخيرة من قبل النظام وروسيا تعتبر انتهاكاً واضحاً لهذا الاتفاق». وضمن رد الفعل التركي، استدعت وزارة الخارجية، مساء أمس، سفيري روسيا وإيران، لنقاش «الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها النظام السوري» في مناطق تخفيف التصعيد في إدلب.
الحراك الإعلامي والسياسي التركي جاء متأخراً في وجه التحركات العسكرية الأخيرة لدمشق وحلفائها، وهو يتماشى في صيغته، التي أدانت استهداف المعارضة بحجة قتال «النصرة»، مع مخرجات لقاءات أستانا واتفاق «تخفيف التصعيد» الذي يشرّع الحرب ضد «النصرة». وكما انتقدت دمشق، تباين التعاون التركي مع «تحرير الشام» في ريفي حلب الغربي، وإدلب الشمالي الغربي، مع مقررات أستانا، ركّزت تصريحات أنقرة على الفكرة نفسها. وإن صحّت التسريبات حول التفاصيل التقنية للاتفاق، التي تحدد مناطق نفوذ ضمن «منطقة تخفيف التصعيد» في إدلب ومحيطها، فإن الجيش السوري وسّع نطاق عملياته ليشمل قوساً أوسع من «منطقة نفوذه» المفترضة. وبدا لافتاً ما نقلته وكالة «رويترز» عن مصدر أمني تركي، ومفاده أن المناطق التي استعادها الجيش السوري تقع «أغلبها خارج مناطق عدم التصعيد». ومن غير المرجح أن يؤثر الحراك التركي في المجريات الميدانية في المنطقة المشتعلة، ولكنّه قابل للصرف لاحقاً، في سياق التحضيرات لمؤتمر سوتشي المنتظر، وهو ما أشار إليه جاويش أوغلو، بوضوح في تصريحاته. التلميح التركي إلى تأثير ما يجري بمصير سوتشي، يعكس توجّس أنقرة من أي مشاركة للقوى الكردية التي تعاديها، فيه، خاصة أن الولايات المتحدة تستثمر في تلك القوى على طاولة المحادثات السياسية.
ويتّسق الموقف التركي الحذر تجاه سوتشي، مع نشاط «هيئة التفاوض» السورية المعارضة، التي تجري جولة سياسية بين العواصم العربية والغربية، لحشد الدعم لموقفها المعلن، الرافض للمشاركة في سوتشي. ووصلت جولة «الهيئة» إلى الولايات المتحدة، حيث التقى وفدها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ووكيله للشؤون السياسية جيفري فيلتمان. ومن المتوقع أن يسافر الوفد المصغر إلى واشنطن لإجراء لقاءات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، بالتوازي مع معلومات تفيد بحضور عدد من ممثلي الفصائل المسلحة لتلك اللقاءات، خارج نطاق التغطية الإعلامية. وبينما عكست تصريحات عدد من المدعوين المفترضين، وبينهم رئيس المكتب السياسي في «لواء المعتصم» مصطفى سيجري، أن فحوى اللقاءات تتركز على الوجود الإيراني في سوريا و«إفشال سوتشي»، حذر وفد «الهيئة» أمس، من «مخاطر مسار سوتشي» على العملية السياسية في جنيف. ورأى رئيس الوفد نصر الحريري، أن موسكو تسعى إلى تتويج عملياتها العسكرية، عبر سوتشي، «بحلّ سياسي على طريقتها».
ومجدداً، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التلويح بقرب إطلاق عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية، في منطقتي عفرين ومنبج، وذلك خلال حديث إلى أعضاء حزبه «العدالة والتنمية» في البرلمان. وأتى كلام أردوغان متزامناً ووصول دفعات جديدة من القوات التركية إلى نقاط تمركز الجيش التركي على حدود منطقة عفرين الجنوبية، والمواقع الحدودية في محيط بلدة أعزاز في ريف حلب الشمالي.