القاهرة | جاء الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المصرية ليزيد الشكوك بشأن نزاهة هذا الاستحقاق الذي يبدو أقرب إلى الاستفتاء على ولاية ثانية لعبد الفتاح السيسي منه إلى منافسة حقيقية بين الرئيس الحالي والمرشحين المحتملين.
الجدول الزمني، الذي حددت اللجنة العليا للانتخابات فترة التقدّم بالترشيحات بتسعة أيام تنتهي يوم التاسع والعشرين من كانون الثاني الحالي، يجعل من المستحيل على أي مرشّح، باستثناء السيسي، تلبية الشروط الشكلية للترشّح، وهي الحصول على 25 ألف توكيل شعبي لدخول المنافسة المفترضة.
ولكنّ هذه القيود الشكلية ليست وحدها ما يثير شكوك المعارضين للسيسي بشأن نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما دفع بالمحامي والناشط الحقوقي خالد علي، بوصفه مرشحاً محتملاً، إلى المطالبة، قبل نحو أسبوعين، بضمانات انتخابية لا تبدو قريبة من الواقع السياسي في مصر، لا بل قد تجعل، حتى المؤيدين له، والمتضامنين معه، يصفونه بـ«الحالم» كما لو أنه «ليس من البلد دي». أبرز ضمانات الانتخابات الرئاسية التي اقترحها علي هي «فتح المجال العام لكافة المصريين للتعبير عن إرادتهم في اختيار حاكمهم ومحاسبته»، علاوة على ضمان «حرية الصحافة والتعبير» و«إنهاء حالة الطوارئ قبل فتح باب الترشح للانتخابات».
من حق خالد علي أن يطالب بضمانات في ما يخص انتخابات الرئاسة، وأن يقترح إصدار قانون يضمن نزاهة العملية الانتخابية، كما قال في مؤتمره الصحافي الأخير، ولكن كل ذلك يبقى مجرّد أحلام، لأسباب عدّة، أقلّها أن لا وقت لكي يتم النظر في قانون ينظم الانتخابات الرئاسية، وجوهرها أن البرلمان «المدجّن» بكل أعضائه تقريباً لا يمكن أن يوافق على مناقشة قانون كهذا، فهو أصلاً برلمان بيد الرئيس والمحسوبين عليه، حيث يشكل تكتل «دعم مصر»، المؤيد للنظام السياسي، الغالبية، ما يعني أنه سيكون الأكثر تأثيراً في أيّ نقاش يطرح حول الضمانات.
وأما الأحزاب السياسية التي يعوّل عليها خالد علي، فلم تعد حتى بالقوة التي كانت عليها في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، فقد تم «خنقها»، ولا يمكنها أن تُجاري المرشح المحتمل في ما يريد، إلا «حزب الدستور»، الذي إن سألنا عن حجم تأثيره وجماهيريته، فسنجد أنه لا يمكن لمرشح رئاسي أن يعتمد عليه في معركته.
علاوة على ذلك، فإن النظام السياسي لن يقدم على الحديث عن أيّ ضمانات لنزاهة الانتخابات، لأنه سيثير في تلك الحالة شكوكاً كثيرة حول هذه المسألة، وهذا أمر سيضرّه خارجياً.
بكل بساطة، سيعتبر النظام السياسي أن من حق خالد علي أن يقول ما يشاء... وهو أيضاً لن يفعل سوى ما يريد! أمّا مسألة «حرية الصحافة» فقضية أخرى؛ فالحديث لم يعد يدور عنها أصلاً، طالما أنها باتت ملكاً للنظام، فكيف لها أن تعمل بعيداً عن تصوراته؟
وأمّا إنهاء حالة الطوارئ، فسيجد خالد علي حجة النظام السياسي عليها، في أن «البلد في حالة حرب» وأن هذه الإجراءات الاستثنائية أمر ضروري لمكافحة الإرهاب.
هل تلك الضمانات المطلوبة أحلام؟
لا تحتاج الإجابة عن هذا السؤال سوى إلى مشاهدة الوضع العام في مصر الذي لا يمكن وصفه سوى بالخانق على المستويين الاقتصادي والسياسي؛ فحال السياسة في عهد عبد الفتاح السيسي لا تبتعد عن الجملة التي كانت تطلق على الحياة السياسية خلال عهد حسني مبارك، وهي «خنق المجال العام ومحاصرته»، من كل اتجاه؛ فقد تم تقويض الأحزاب تماماً، وجرى تفجير بعضها («حزب المصريين الأحرار» مثالاً)، فيما تستمر إخافة الشباب، بسجن من يعترض منهم، وبالتالي لم يعد خالد علي ــ أو غيره ــ يضمن أن الانتخابات الرئاسية ستكون نزيهة.