غزة | مسميات كثيرة لهيئات ولجان ومجالس ارتبطت بالتاريخ السياسي الفلسطيني منذ مطلع الستينيات حتى قرار «المجلس المركزي» تشكيل «السلطة الوطنية» التي تسلمّت الدور الأمني والسياسي والاقتصادي بغالبيته، وذلك إلى حدّ بات فيه التفريق بين هذه المؤسسات يحتاج إلى التركيز ودراسة المواقف المتداخلة، ولاسيما بعد تراجع الخطاب الثوري الرسمي الفلسطيني، المتمثل بخطاب «المجلس الوطني»، بصفته المرجعية التشريعية والرقابية على «منظمة التحرير»، والمتبني لـ«الميثاق القومي» الذي كان يحتوي على الخطوط الحمراء في تعريف أرض فلسطين التاريخية من البحر للنهر وعاصمتها القدس، واعتبار «الصهيونية مرتبطة بالإمبريالية العالمية ومناقضة لأي عمل تحرري».
كما أنه حدد العلاقة مع إسرائيل بكونها عدو، وأنه لا بديل عن الكفاح المسلح للتخلص منه.
رويداً رويداً تم الانسحاب من نقاط عدة من هذا الميثاق، إلى أن تشكّلت ملامح مرحلة التسوية ما بعد اتفاق أوسلو بحالتها الآن، التي تلقت آخر الضربات بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس، ويليه الخطة الأميركية لتصفية قضية اللاجئين. ومع انكشاف هشاشة موقف السلطة، وفقدانها حجة الدفاع عن محاولاتها في تحقيق التسوية مع شريك يسعى بإعادة احتلاله الضفة وترسيم حدودها أن يضمها إليه، يأتي الاجتماع المتأخر لـ«المركزي»، شبيهاً بالاجتماع «القيادي» السابق، الذي أتى متأخراً 12 يوماً بعد القرار الأميركي بشأن القدس، وذلك لبحث قرارات يفترض أن تكون مصيرية، لكنها ستكون شكلية كسابقاتها، خاصة أن السلطة أضعف من تطبيقها.
وبينما يجري الحديث على المكشوف عن «صفقة القرن»، يناور رئيس السلطة، محمود عباس، للبحث عن مخرج، ساعياً إلى كسب اعتراف دولي بفلسطين كدولة تحت الاحتلال بدلاً من سحب الاعتراف بإسرائيل، الذي هو أقصر الطرق. وعليه، يعود أبو مازن هذه المرة لفتح الدفاتر القديمة هارباً إلى الأمام باتجاه «المركزي» والدعوة لعقد اجتماع يضم أعضاء «اللجنة التنفيذية للمنظمة»، رغم تعرقل المصالحة الداخلية، كما وجه دعوات إلى وممثلين عن الهيئات والنقابات والاتحادات الفلسطينية بالإضافة إلى المستقلين.
أما حركة «الجهاد الإسلامي»، فأعلنت أمس قرارها رفض المشاركة في جلسة «المركزي» المقررة في مدينة رام الله، وسط الضفة، قائلة إنها أبلغت رئيس «المجلس الوطني»، سليم الزعنون، في رسالة خطية بذلك. وذكرت «الجهاد» أن من أسباب رفضها كون «اللجنة التنفيذية للمنظمة خالفت مخرجات اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت، التي دعت لعقد الاجتماع في الخارج». كما أوضحت أنها «ليست عضواً في المنظمة وهيئاتها»، علماً بأنه كان من المفترض العمل تحت الرعاية المصرية على «إعادة بناء وترتيب المنظمة ومؤسساتها لكن ذلك لم يتم».
وبشأن «حماس»، قالت الحركة إنها لا زالت تدرس المشاركة في جلسة «المركزي»، موضحةً أمس أنها لم تصدر موقفاً حتى اللحظة حول المشاركة أو عدمها، فيما يرجح أن تحذو حذو «الجهاد» في ذلك. وكان مقترحاً مشاركة الحركتين من بيروت عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، لكن ذلك لا يبدو مرضياً لهما. وفي غضون ذلك، غادر غزة صباح أمس 19 شخصية جلهم من فصائل «منظمة التحرير»، وذلك عبر حاجز «بيت حانون ــ إيريز»، للمشاركة في اجتماعات «المركزي»، ومنهم ستة أعضاء من الهيئة القيادية العليا لحركة «فتح» غادروا بعد موافقة الجانب الإسرائيلي على ذلك.
في سياق متصل، تواصلت المسيرات الرافضة للقرار الأميركي، وأصيب جراء ذلك عشرات المواطنين، بعد صلاة الجمعة أمس، خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في غالبية نقاط التماس في الضفة والقدس وغزة، وهي تعتبر «جمعة الغضب السادسة».

أعلنت «الجهاد» أنها لن تشارك في الجلسات بينما تدرس «حماس» القرار
ودرات مواجهات أسفرت عن نحو 130 إصابة في كل من الخليل وبيت لحم (جنوبي الضفة) حيث اعتقل عضو في «المجلس الثوري» لحركة «فتح». كما دارت مواجهات في نابلس وقلقيلية (شمال) ورام الله والقرى المحيطة بها (وسط). أما في غزة، فأصابت قوات الاحتلال أكثر من 80 شاباً معظمهم بالرصاص الحي خلال مواجهات على الحدود الشرقية والجنوبية للقطاع.

تحسن طفيف في المصالحة

في مقابل بطء السلطة الفلسطينية في خطواتها نحو المصالحة، ورغم الحديث المتكرر عن فشل التطبيق والتحذير من انهيار الاتفاق، تفيد مصادر مطلعة بأنه حدث تقدم طفيف في بعض المسارات التفصيلية التي تتعلق بعودة بعض موظفي السلطة في غزة إلى عملهم، بعدما وافقت «حماس» على رجوع نحو 1600 منهم. لكن بقيت بعض الوزارات تواجه إشكالات في خطوة عودة الموظفين التي أصرت عليها رام الله.
رغم ذلك، تقول المصادر انه في نهاية شباط المقبل ستكون هناك رؤية حاسمة بشأن الموظفين ضمن الرؤية التي ستعتمدها «اللجنة الإدارية والقانونية» برئاسة نائب رئيس الوزراء، زياد أبو عمرو. لكن الخطوة الأهم هذا الشهر أن «حماس» قررت خوض تجربة أخرى، وتسليم حكومة «الوفاق الوطني» تحصيل الجبايات عن الشهر الجاري، بعدما وعدت رام الله بصرف سلف مالية لموظفي حكومة غزة السابقة، لكن لا يزال الخلاف قائماً حول موعد وقيمة السلفة، كما تقول المصادر.
ومع تعثر المصالحة الفلسطينية، شُكّلت لجان عدة لمراقبة تطبيقها، منها اللجنة الفصائلية، وأخرى من المؤسسات المجتمعية، في ظل الحديث مجدداً عن ترتيبات لعودة الوسيط المصري الذي غادر القطاع قبل أسابيع احتجاجاً على رفض بعض الوزراء استقباله في مقراتهم في القطاع.

ضغوط «الصفقة»

كشفت مصادر فلسطينية مقربة من رئيس السلطة، محمود عباس، أن السعوديين كانوا قد نقلوا بصورة كاملة الرؤية الأميركيةلـ«صفقة القرن» إلى قيادة السلطة بصورة كاملة، وقد أقر بذلك الوزير السابق أحمد مجدلاني قبل أيام. لكن هذه المصادر تضيف أن الرؤية تتلخص في «إقامة دولة فلسطينية تستثني مناطق المستوطنات الكبرى وتتكون من بقية المناطق الأخرى في الضفة وغزة وقرى المنطقة الشرقية للقدس، على أن تكون غزة هي مركزية الدولة المقبلة، وسيعقب كل ذلك سياسة السلام الاقتصادي، كما سينشأ ميناء (في القطاع) ومطارين أحدهما في غزة والآخر في الضفة».
وأوضحت المصادر نفسها أن «ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، برر لعباس في اجتماعهما أي علاقة مستقبلية مع تل أبيب وواشنطن، في إطار حربه على إيران»، فيما تلخص الاجتماع الثاني في الزيارة اللاحقة لعباس إلى الرياض في أن يقبل الرجل هذه الرؤية «مقابل تعريف المستوطنات وحدودها بالضفة، والضغط باتجاه ارتفاع نسبة تبادل الأراضي لمصلحة الفلسطينيين، مع ربط ذلك بممر أمن بين الضفة وغزة»، لكن «أبو مازن» رفض أن يستثني المقترح القدس ويحصر العاصمة في القرى الشرقية أو أن يستثني البلدة القديمة تماماً، وفق ما قالت.
واللافت أن مجموع ما عقدته قيادة السلطة مع الوفود الأميركية خلال الشهور الخمسة الأخيرة يزيد عن ثلاثين لقاء، وكلها تركزت في كلا المضمونين، كما شاركت أطراف عربية في هذه اللقاءات من السعودية ومصر. أما بشأن اللاجئين، فتذكر المصادر أن الرياض لم تعارض فكرة تجميد التفاوض على قضيتهم على أن تطرح في وقت لاحق للنقاش مع قضايا مثل حدود المستوطنات والدولة والمياه «لكن دون تحديد سقف زمني محدد». ومن جهة ثانية، بررت هذه المصادر حالة بطء المصالحة بـ«خشية عباس أن يكون الاتفاق الذي فرضته القاهرة حلقة في سلسلة صفقة القرن».




نتنياهو: خبر «هآرتس» عن سيناء كاذب

نفى رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما نقله الإعلام العبري عن «عرضه ضم أجزاء من الضفة الغربية مقابل منح الفلسطينيين أراضي في سيناء المصرية». وقال مكتب نتنياهو، في تصريح مكتوب، أمس، إن «الخبر الذي نشرته صحيفة هآرتس عن أن رئيس الوزراء عرض إعطاء أراضٍ في سيناء للفلسطينيين، مقابل ضم الضفة إلى إسرائيل عارٍ من الصحة تماماً ولا أساس له».
وكانت «هآرتس» قد نقلت عن مسؤولين أميركيين (راجع عدد أمس)، قولهم إن نتنياهو طلب من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2014 دراسة ضم إسرائيل أجزاء من الضفة مقابل حصول الفلسطينيين على أراضٍ في سيناء. وأضافت أن نتنياهو طرح الأمر في مناسبات عدة في لقاءات مع أوباما، ووزير الخارجية السابق جون كيري، بعد إخفاق مساعي الأخير في المفاوضات. وقال المسؤولون السابقون إن «نتنياهو أبلغ أوباما وكيري أنه يمكن إقناع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بقبول الفكرة»، لكنهم استدركوا بأن «إدارة أوباما سمعت مباشرة من مصر أنها لن تقبل هذه الفكرة، كما أن الفلسطينيين رفضوها».
(الأخبار)