«ستجرى الانتخابات التشريعية والمحليّة في العراق في موعدها المقرّر (12 أيّار المقبل)». هذا ما تجمع عليه مصادر سياسية مختلفة بعد أيّامٍ طويلة «من مفاوضات مقلقة»، لتحسم بذلك النقاش حول إمكانية تأجيل الانتخابات، ولتشرّع الباب أمام نقاشٍ آخر حول التحالفات النيابية، وما سينتج منها من ائتلافات ستحدّد في نهاية المطاف هوية رئيس الوزراء المقبل.
قبل يومين، أغلقت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» باب تسجيل التحالفات الانتخابية، نافية الحديث عن «أي تمديد». لكن مصادر «الأخبار» تتحدث عن «وجود ضغوط لإعادة تشريع باب التسجيل لساعاتٍ معدودة»، بهدف حلّ «نزاعات قانونية بين بعض الكتل والأحزاب من جهة، وإجراء تعديلات على بعض التحالفات التي أُعلن عنها (الخميس) من جهة أخرى». ولم تكشف المفوضية عن عدد التحالفات والقوائم المسجلة، إلا أن التسريبات الإعلامية أشارت إلى أن عددها تجاوز الثلاثين في عموم الدوائر الانتخابية.
وعلى الرغم من إعلان التحالفات خلال الساعات الماضية، إلا أن مسارها لم ينته بعد، فـ«النقاشات لا تزال جارية» بتعبير عددٍ من المصادر السياسية التي تلفت في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «قلقاً كبيراً يخيّم على معظم القوى والأحزاب» بسبب افتقادها القدرة على حسم تحالفاتها بشكل نهائي.

انهيار تحالف «العبادي ــ الحشد»؟

«الفتح المبين» هو اسم تحالف فصائل «المقاومة العراقية» أو النواة المشكّلة لـ«الحشد الشعبي». يرأسه زعيم كتلة «بدر»، هادي العامري، ويضم 19 فصيلاً؛ أبرزها، إلى جانب «بدر»، «عصائب أهل الحق» (بزعامة قيس الخزعلي)، «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» (برئاسة همام حمودي)، و«كتائب الإمام علي» (بقيادة شبل الزيدي).
حتى ساعة قريبة، كان «الفتح» قاب قوسين أو أدنى من التحالف مع قائمة «النصر والإصلاح» برئاسة العبادي، والتي تضم أحزاباً وشخصيات مستقلّة من معظم المحافظات، أبرزها «حركة عطاء» لمؤسسها، رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، فالح الفيّاض. إذ كان من المنتظر أن يبادر العامري إلى رد «إيجابي» على «عرض» العبادي بهذا الشأن، وخاصّة أن ثمة «رغبة إيرانية» في تحقيق ذلك، لكن «شيطان التفاصيل» حال دون التقاء التحالفين. افتراق تفسره مصادر «النصر»، في حديثها إلى «الأخبار»، بأن «الفصائل، نزولاً عند رغبة طهران، تريد الانضمام إلينا»، فيما تقول مصادر «الفتح» إن «العبادي يسعى إلى استثمار أصواتنا، وتحصيل أكبر عددٍ ممكن من المقاعد». ووفق معلومات «الأخبار»، فإن الخلاف تمحور حول اسم الائتلاف المقترح أولاً، ورئيس القائمة ثانياً، وحامل الرقم واحد ثالثاً. كما تطرّق النقاش إلى هوية رئيس الوزراء المقبل، والذي أصرت لجنة «النصر» على ضمان أن يكون هو العبادي نفسه، غير أن لجنة «الفتح» رفضت «إعطاء وعدٍ بذلك... فمرشحنا لرئاسة الحكومة هو العامري».
بناءً على ذلك، يمكن القول إن «الأمل» بإبرام تحالف بين الجانبين بات ضعيفاً، وخصوصاً أن مكونات «الفتح» تسعى إلى بلورة هوية سياسية تتلاءم و«حجم التضحيات على مدى السنوات الماضية»، لكن العبادي أراد بحسب روايتها أن تكون تابعة له. وبمعزلٍ عن إمكانية «ولادة» هذا التحالف من عدمها، فإن مجرّد التفاوض بشأنه دليل على قبول العبادي بتحوّل «الحشد» إلى كتلة برلمانية، وهو أمرٌ يتعارض مع خطاباته السابقة الرافضة لمشاركة هذه المؤسسة في العملية السياسية.

سليم الجبوري باقٍ رئيساً للبرلمان؟

شكّل إعلان «التجمع المدني للإصلاح»، والذي يضم نائب رئيس الجمهورية، إياد علّاوي، ورئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، ونائب رئيس الوزراء السابق، صالح المطلك، إلى جانب 20 حزباً وتيّاراً سياسيّاً، صدمة لدى بعض المتابعين، وخاصّةً أن الجبوري كان «قريباً جدّاً من التحالف مع المالكي»، وفق معلومات «الأخبار».

شهدت الساعات
الـ 48 الماضية نقاشات متعثّرة بين لجان
«النصر ــ الفتح»


يشرح مقربون من الجبوري الأمر بأن «الرجل كان متردداً في قراره»؛ إذ إنه ما إن دخل في قائمة علاوي، الذي يطمح إلى العودة إلى قلب المشهد السياسي، حتى أبدى استعداده للتحالف مع العبادي، معلّلاً ذلك بـ«ضيق الخيارات أمامه»، ومعرباً عن «حراجة موقفه إزاء العبادي في حال دخوله في تحالفٍ مع علّاوي».
خيارات الجبوري كان «أحلاها مُرّاً»، إذ إن التحالف مع علّاوي ــ وفق مصادره ــ يعني «تجيير أصوات السُنّة له، فيشكّل بذلك كتلةً وازنة يستطيع أن يناقش من خلالها أحقيته في رئاسة الوزراء»، أما التحالف مع العبادي فيعني «اكتساحاً لمختلف الخصوم، والتربّع على زعامة السُنّة بأصوات الشيعة... وهذا حلمٌ قابل للتحقق، ولكن يحتاج إلى نقاشٍ حول حصّتنا في ديالى وصلاح الدين».
وما بين الخيارين، يبدو الجبوري في موقف «لا يُحسد عليه»، ليتقدم سؤال حول إمكانية بقائه رئيساً للبرلمان لولاية ثانية؟ في هذا الإطار، تقول مصادر الرجل إن «الأمر غير محصور أبداً... فتحالفنا مقلق، والنتيجة غير محمودة، حتى الآن».

المالكي يعرض على العبادي التحالف!

«أين المالكي؟». سؤال طُرح بقوّة مع جريان الحديث عن تحالف «النصر ــ الفتح»، والذي فسّره البعض برغبة طهران في رصّ صفوف «البيت الشيعي»، بمعزل عن رئيس الوزراء السابق الذي يهمس خصومه بوجود محاولة إيرانية لـ«كسره». يترأس المالكي قائمة «ائتلاف دولة القانون»، والتي تشارك فيها أحزاب وقوى سياسية، أبرزها «حركة البشائر الشبابية» برئاسة صهره، النائب ياسر المالكي. هذه القائمة يصفها المالكي ــ وفق المقربين منه ــ بـ«المريحة، وغير المقلقة»، على عكس قوائم الآخرين (باستثناء قائمة «الفتح»).
في الدورتين الانتخابيتين الماضيتين، كانت «دولة القانون» واحدة من أبرز القوائم «المرغوب في التحالف معها». اعتاد المالكي أن يكون العامري حليفه، وأن يكون «حزب الدعوة الإسلامية» (الذي يرأسه) جناحاً واحداً، إلا أن الواقع اليوم بات مغايراً تماماً؛ فـ«الدعوة» أصبح جناحين، الأمر الذي يحتّم تحديد الجناح المشارك في الانتخابات. ووفق معلومات «الأخبار»، فإن الساعات المقبلة قد تشهد انسحاب أحد الجناحَين من «الدعوة»؛ بالنظر إلى أن قانون «المفوضيّة» يدعو إلى استخدام الاسم مرة واحدة. وتفيد المعلومات أيضاً، بأن المالكي ينتظر ردّ العبادي على عرضٍ قدّمه إليه بالأمس، قوامه خوض غمار الانتخابات بقائمة واحدة يرأسها الأول، مقابل التعهد بتزكية العبادي لولاية ثانية، وذلك في مسعىً للحفاظ على «وحدة الدعوة، ومنع الحزب من التشظّي».