القاهرة | تسود رؤية ضبابية لدى النظام المصري بشأن التعامل مع اتفاق القوى الكبرى وإيران الذي تم التوصل إليه أخيراً. ضبابية الرؤية مرجعها مراعاة الموقف الخليجي المعارض ومعرفة سبل التصعيد المقترحة قبل أي قرار مصري معلن ونهائي من الاتفاق، فيما يطوف وزير الخارجية في الرياض وأبو ظبي بحثاً عن رؤية تحدد موقف بلاده، وخصوصاً مع اشتعال الملف اليمني، وبقاء الموقف من سوريا على حاله.
الواضح أن القاهرة لم تتخذ موقفاً حاسماً حتى الآن بسبب تداعيات الاتفاق على الخليج الرافض ضمنياً لمضمون الاتفاق، وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تكليف وزير الخارجية سامح شكري بالسفر إلى الرياض وأبو ظبي للتواصل مع قادة الخليج والاستماع إلى وجهة نظرهم قبل الخروج بموقف حاسم للرأي العام. وعملياً، لا تبدو الخارجية المصرية قادرة على اتخاذ موقف حاسم بمفردها، فتداعيات الاتفاق على «الأمن القومي العربي» هي الأهم بالنسبة إليها، لا لاعتبارات الدعم والمساندة من الخليج مالياً على مدار العامين الماضيين فقط، ولكن لحساسية التوقيت الذي جاء قبل أسابيع من إقرار النظام الأساسي لـ«القوة العربية المشتركة» التي ستشهد خطوات أكثر جدية في الأيام المقبلة من جهة الجامعة العربية ووزارات الدفاع والخارجية في مصر والسعودية.
وظاهرياً، لا توجد خلافات بين القاهرة والرياض، لكن حالة التوافق التام مع النظام بعد عزل جماعة «الإخوان المسلمين» ــ التي كانت خلال عهد الملك عبدالله ــ لم تبق كما هي بعد وصول سلمان إلى الحكم، لا بسبب الخلافات في وجهات النظر بشأن التعامل مع «الإخوان» فحسب، ولكن أيضاً لأمور عديدة؛ من بينها الخلاف حول إدارة بعض القضايا عربياً، فضلاً عن التراجع في الدعم الاقتصادي الموجه لمصر، وهي نقطة وإن لم تثرها القاهرة مباشرة، فإنها أبقت على «غضة» في العلاقات بين البلدين.
خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمع سامح شكري ونظيره السعودي خالد الجبير، أكد الاثنان توافق الرؤية تجاه القضايا الإقليمية كالملف السوري وما يتعلق بحركة «حماس» (راجع الموضوع في المقابل)، بينما طلب الجبير من شكري إبداء الاعتراض على الاتفاق الإيراني النووي، مشدداً على أن الرياض ترى فيه إضراراً مباشراً بمصالحها، فيما رد الوزير المصري بأن بلاده «لن تقبل المساس بأمن الخليج»، وهي الجملة التي باتت تشكل مخرجاً للسياسة المصرية الخارجية.
أما في اللقاء المغلق بين الوزيرين، فتناولت المباحثات بصورة أساسية موضوع «الإخوان»، فقد تحدث شكري عن ضرورة اعتذار الجماعة عن «العنف» وتقديم ذلك علناً إلى الشعب المصري، وأيضاً «التوقف عن جميع الممارسات»، ولكن ذلك لن ينفي أن يكون قرار التعامل مع أعضائها المحبوسين «وفقاً لإجراءات قانونية إذا تقبل الشعب المصري المصالحة، وهو ما سيستغرق وقتاً طويلاً نسبياً لا يقل عن العام بعد تقديم الاعتذارات». كما أكد وزير الخارجية أن السيسي «يمكن أن يوقف التصديق على أحكام الإعدام خلال تلك المدة إذا تم التمهيد لمصالحة حقيقية» لا يقدم فيها النظام أي تنازل.
كذلك علمت «الأخبار» من مصادر في وزارة الخارجية أن شكري «جدد موقف القاهرة الرافض بالإفراج غير المشروط عن قيادات الإخوان وغيرها من المطالب التي تطلقها الجماعة»، لافتاً إلى أن الملف لم يعد سياسياً فقط، بل هو «قضائي ومجتمعي بالدرجة الأولى، والدولة لا يمكن أن تقبل أي ضغوط في المدة الحالية، وخاصة أن أي قرارات ضد الجماعة تحظى حالياً بقبول شعبي بسبب الكراهية التي خلفتها الجماعة لدى غالبية المجتمع المصري خلال العامين الماضيين».
وتذكر المصادر أن الطرفين شددا على أن العلاقات الثنائية لم تتأثر كثيراً بملف «الإخوان»، على الأقل خلال الشهور القليلة الماضية، فـ«القضايا المشتركة التي تجمع البلدين أكبر من جماعة الإخوان وتأثيرها فيها، ولا سيما أن الأوضاع في اليمن لم تستقر بعد وتريد القاهرة أن تلعب دوراً محورياً في هذه الأزمة تحاول فيه الوصول إلى حل دبلوماسي بين الأطراف المتنازعة على السلطة». وتضيف: «هذا دور تتفهمه الرياض وخاصة بعد سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من اليمن، كما تدرك أن القاهرة وحدها من بين العواصم العربية يمكنها أن تمارس الضغوط على الحوثيين».
أما اليوم (الجمعة)، فمن المقرر أن يلتقي شكري مع عدد من كبار المسؤولين الإماراتيين خلال زيارة قصيرة لأبو ظبي تستغرق عدة ساعات يجري خلالها البحث في وجهة النظر الإماراتية حول الاتفاق النووي الإيراني، وكيف ستتحرك الإمارات خلال المدة المقبلة، وسط توقعات باجتماع وزاري عربي لمناقشة الأمر لتنسيق المواقف العربية، وهو الاجتماع الذي سيتحدد عقب عودة شكري إلى القاهرة وعرض نتائج الزيارتين على السيسي في اجتماع مغلق سيعقد في مقر رئاسة الجمهورية صباح غد السبت.