إن قرار الأطر التي تُشكّل قيادة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» (المكتب السياسي واللجنة المركزية)، المشاركة في اجتماعات «المجلس المركزي لمنظمة التحرير»، الذي بدأ أعماله أمس ويستمر حتى اليوم، لهو صفعة، بكل المقاييس، لتاريخ الجبهة النضالي الطويل، وخيانة لإرثها الثوري ولمناضليها القابعين خلف القضبان.
تستمر هذه القيادة بانتهاج السياسة الضبابية نفسها وغير الواضحة لمقاربة الوضع السياسي الفلسطيني الراهن في لحظة تاريخية تتطلب كل الوضوح والجرأة والقدرة على صوغ استراتيجية سياسية جديدة بعيدة عن التخبط والعشوائية، خاصة أنها وسمت أداء هذه المرحلة الفارقة من تاريخ القضية الفلسطينية. نهج لم يتغير رغم انكشاف وجلاء طبيعة سلطة أوسلو منذ أمد بعيد بما لا يدع مجالاً للشك بانعدام إمكانية إصلاح هذه السلطة، ولا تغيير نضجها السياسي المرتبط عضوياً ووجودياً بالكيان الصهيوني. كان من الأجدى لـ«الشعبية» مقاطعة هذا الاجتماع لقناعتها المطلقة بعدم تمخضه عن أي نتائج ملموسة وقادرة على تغيير الوضع الراهن.
استمرت هذه القيادة، قيادة «الشعبية»، منذ توقيع «أوسلو»، باتباع نهج تدميري يفتقر إلى الجذرية التي طالما ميّزت الجبهة في الحقب الماضية. أدى هذا النهج إلى انكفاء فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني عن الانضمام إليها، وإلى تذمر واستياء أعداد أخرى من القاعدة الجماهيرية للجبهة نفسها، وهي قاعدة أفنت سنوات عمرها منضوية تحت لواء هذا الفصيل الطليعي، وجماهير طالما رأت في الجبهة وتاريخها الناصع رأس حربة في النضال ضد الصهيونية، وضد نهج «فتح» المتنفذ في «منظمة التحرير» ووليدتها السلطة وخطها التفاوضي المدمر.
لقد أظهر المكتب السياسي واللجنة المركزية للجبهة خلال العقدين الماضيين درجات كبيرة من غياب الكفاءة القيادية، حتى أمست «الشعبية» تنظيماً مسكوناً بأمجاد الماضي، ومسجوناً بين جدران تاريخه النضالي الطويل، مفتقداً القدرة على تحديد قيادته أو بلورة استراتيجية تعيد بناء الجبهة على أسس جديدة وترقى إلى مستوى التحدي الذي يواجه الشعب الفلسطيني.
لم تخجل هذه القيادة من ممارسة «النوستالجيا» واجترار الماضي المجيد كوسيلة وحيدة للدفاع عن وجودها وتبرير فشلها المستمر الذي يرتقي في حالات كثيرة إلى درجة التواطؤ مع سلطة أوسلو ونهجها. لقد اعتمدت قيادة الجبهة اتباع الضبابية كمنهج وانعدام الرؤية كاستراتيجية للهرب من مواجهة الاستحقاقات الكبرى بما تتضمنه من قرارات شجاعة قد تكون مؤلمة أحياناً.
وفي هذه اللحظة الفارقة التي تهدد وجودنا ومصير قضيتنا، لم يعد بالإمكان الاستمرار بالصمت حيال نهج هذه القيادة وتشبثها بمواقع قيادية لم تكن قادرة يوماً على أداء مسؤولياتها بالجدارة التي تمليها المرحلة الخطيرة التي تتهددنا جميعاً. لذلك، نطالب القائد الأسير أحمد سعدات، وأسرى الجبهة كافة في السجون الصهيونية والشرفاء من أبنائها، بسحب الثقة من هذه القيادة لإعادة «الشعبية» إلى دورها النضالي الذي صاغه الأوائل ومؤسسوها الشرفاء، ووضع لبناته آلاف الشهداء والأسرى الذين انضووا تحت لوائها وتخندقوا حول مبادئها وشعاراتها.
* أكاديمي فلسطيني ــ لبنان