دمشق | عضو مجلس الشعب المسكون بالإصلاح بدا أشبه ببالون منفوخ يحتاج من يفرّغه من الهواء، لم يكد يقف لثوانٍ في انتظار أن يدخل من سبقه في الوقوف على الباب الرئيسي لمدرّج جامعة دمشق، حتى انبرى غاضباً على من تولى تفقد أسماء المشاركين: قائلاً: «نحنا أعضاء مجلس شعب... بدنا نعرف بدنا نفوت أو لاء؟». الشاب تابع عمله مشيراً له أن ينتظر دوره.
وأكمل المشاركون الدخول واستمر العضو في جدله حول وقوفه في طابور. عند العاشرة، اكتمل النصاب. «سرعة القطار تزيد... يبدو أننا بدأنا نقترب من الأضواء». تلقي إحدى المشاركات بجملتها هذه على عجل، وترمي بنفسها داخل الكرسي. رتل من الوزراء اعتلوا المنصة، حملوا الوعود وعرضوها «باور بوينت»، وقيّدوا أنفسهم بمدة زمنية يجري التقييم بعدها على ما تيسّر من إصلاح. جمهور طوعي لافت حمل أسئلته على الرمح وجاء.

فواز الأخرس... لاعب السيرك

بعيداً عن صفته الشخصية كوالد للسيدة أسماء الأسد، وبعيداً عن صفته الاعتبارية كرئيس لـ«الجمعية السورية البريطانية» التي رعت إقامة مؤتمر الإصلاح الإداري، بدا الدكتور فواز الأخرس، نموذجاً في إدارة الجلسة والتنقل ما بين المحاضرين والسائلين والمجيبين. بخفة لاعب سيرك، كان يركز في كل مرة على احترام الوقت ــ حتى بدا الوقت خيّال المؤتمر ــ مع انتقاء عميق للأسئلة، من دون أن ينسى إثارة الدعابة في تعليقاته على بعض العناوين التي قال إنها «sexy»، وإطلاق النكات التي تصوّب الضحكة باتجاه الخلل لتوضيحه وتصحيحه. وفي وقت لاحق، أخذ دور المواطن، فوقف على الدور في طابور السائلين ليقدم اقتراحاته حول إيجاد مطارح ضريبية جديدة ترفد خزينة الدولة بالمال، وبنفس الصفة التي أطلقها على نفسه كمواطن بسيطٍ استعصى عليه الفهم، طرح سؤالاً على رئيس الحكومة عماد خميس، وأعاد مرتين سؤالاً آخر على وزيرة التنمية سلام سفاف، ليقول لها: «كلام جميل، لكنني لم أفهم»، وثالث مع وزيرة العمل السابقة ديالا الحاج عارف، التي أثارت ضجة القاعة عندما تحدثت عن مقولة: «قليل من الفساد ينعش الاقتصاد»، فعلّق على حديثها: «إذا كان الفساد موجوداً، فهذا لا يعني أن نقف في المكان وننتظر. إذا مشيت إلى الأمام، فالوقت معي وسأصل حتماً مهما كنت بطيئاً».

الجمهور... حصان العربة

«أنا أحد ضحايا الإصلاح في المعهد الوطني للإدارة العامة، ومستشار لا يُستشار في وزارة الاتصالات». هكذا عرّف الشاب عن نفسه ممهداً لسؤاله، لتدخل القاعة بعدها في عاصفة من الضحك والهمهمات الجانبية.

طُرحَت خلال المؤتمر عشرات الهواجس حول الفساد والاقتصاد وغيرها

استتبعت تعليق الشاب مجموعة من الأسئلة والتعليقات التي لامست القاع وبشّرت بأن من استطاع أن ينجو من السفينة الغارقة ويبقى في البلد ويستمر حتى الآن، لا يمكن أن يسمح بالعودة الى الوراء، ومن كان سلبيّاً وقال إن شيئاً لن يتغير وإن القعر يلامسه قعر آخر، كان جوابه حاضراً أيضاً: «العجينة إذا ما لزقت بتعلّم». من الأسئلة والهواجس التي طُرحت: «متى سنرى وجوهاً شابة في الحكومة؟ نريد تحديد هوية الاقتصاد السوري. لا يمكن أن يكون هناك إصلاح حقيقي بدون دخول حقيقية. القوانين لم تتغير منذ عهد الاستقلال حتى الآن. فصل السلطات هو أسّ المشاكل. تعديل النظام الضريبي. ضرورة وضع تعريف للفساد في الدستور. هل ننتصر لمن يجني 100 مليون ليرة ويضعها في شقة في المالكي، أم ننتصر لمن يجني 100 مليون ويضعها في المصنع ويشغلها ويحصل على الضرائب؟ إلى متى سيتم تعيين الأشخاص وإزاحتهم من مناصبهم وفقاً للاعتبارات الشخصية وردود الفعل؟ إلى أين تأخذون هذا الجيل بهذه المناهج الجديدة؟ الجامعات أصبحت قاعات للامتحان فقط. هل سنحتاج إلى (حميميم روسي) وآخر إيراني من أجل الإصلاح التربوي؟ إلغاء مادة التربية الدينية واستبدال الأخلاق العامة بها. الخروج من التوظيف على أساس حزبي وطائفي».

سلوى كضيب... نجمة العدل

سألت القاضية المستشارة سلوى كضيب: لماذا نحن في جوار القصر ولسنا فيه؟ مشيرة إلى الخلل الذي يعاني منه القضاء والقاضي على السواء من افتقاد المكان والمكانة والاعتبار والاستقلال. لكن عربتها بدت قوية تجرّها أربعة أحصنة عندما تطرّقت إلى الموضوع المتعلق برئاسة رئيس الجمهورية للسلطة القضائية، وفقاً للدستور، لتضاف في الواقع إلى أعمال وزير العدل الذي ينوب عن الرئيس في رئاسة مجلس القضاء الأعلى، لتطرح السؤال المشروع الذي نال تصفيق الجمهور وإعجابه: لماذا لا يكون هناك نائب لرئيس الجمهورية للشؤون القضائية يختاره كبار القضاة المتميزين؟ ويكون هذا النائب صلة وصل بين الرئيس والقضاة لمعالجة الصعوبات، بدلاً من أن يكون ذلك من مهمات وزير العدل من طريق مجلس الوزراء، وهذا يتنافى مع استقلال السلطة القضائية.

نتائج المؤتمر

لامس المشاركون في المؤتمر الزمن، وعرفوا معنى الوقت ومعنى الوقوف في طابور لنيل سؤال بسيط تطلّب تسخينه الكثير من «الحطب». تعلّموا المباشرة والتكثيف والاختصار بعيداً عن اللف والدوران والثرثرة، أدركوا أنهم سيتلقون المزيد من عصي الفساد والمحسوبيات وأن البداية بدأت للتو. هذه نتائج أولية بسيطة أقرّها المشاركون، أما نتائج المؤتمر البعيدة فهي رهينة حتى نهاية عام 2019.