المعركة على الاتفاق النووي الإيراني تحتدم في واشنطن، لا على أصوات أعضاء الكونغرس فقط، بل أيضاً على الرأي العام في الولايات المتحدة. وفيما يقرّ المعارضون قبل المؤيدين، بأن عرقلة الاتفاق باتت مستحيلة، إلا أن ذلك لا يعني إنهاء المعركة، و«حملات الإقناع» من كلا الجانبين.وفيما تكرر تل أبيب، بمناسبة وغير مناسبة، رفضها للاتفاق والتأكيد على خطره على أمنها وأمن المنطقة، وعلى السلم والأمن العالميين أيضاً، وكان آخره تأكيد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، أن «إيران ليست تهديداً نووياً وحسب، بل تغذي وتدعم الإرهاب في غزة واليمن ولبنان وسوريا وسيناء»، تقود الإدارة الأميركية حملة مضادة لتنفيد المقاربة الإسرائيلية، والتأكيد على أن الاتفاق هو أقصى ما يمكن التوصل إليه مع إيران.

وأمس، حذرت الإدارة الأميركية في رد على التصريحات الصادرة عن تل أبيب، من أن إلغاء الكونغرس للاتفاق النووي مع إيران، سيؤدي إلى كارثة تتسبب بعزلة الولايات المتحدة دولياً، وضرر لا يقاس حيال قدرتها اللاحقة على حماية أمن إسرائيل.
الرد الأميركي جاء على لسان مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية، أشاروا في حديث مع صحيفة «هآرتس»، موجه إلى الرأي العام الإسرائيلي تحديداً، إلى أن «من غير الواضح كيف يمكن لإلغاء الاتفاق أن يكون أمراً جيداً لإسرائيل»، وأكدوا أن «الإدارة الأميركية وصلت إلى نتيجة مفادها أن (رئيس حكومة العدو بنيامين) نتنياهو، غير معني بأي اتفاق من أي نوع كان مع إيران، وأنه معني فقط بسيناريو غير ممكن، تتخلى إيران بموجبه عن كل مواقفها، من دون رفع العقوبات عنها».
«معاريف»: رواية تل أبيب الرسمية لا تلقى قبولاً حتى لدى شريحة واسعة من اليهود الأميركيين

وعبر المسؤولون الأميركيون عن خيبة أملهم من أن إسرائيل لا تجد في الاتفاق أي بند إيجابي، «رغم أن الاتفاق يلبي جزءاً كبيراً من مطالب إسرائيل، ويتوافق مع الخطوط الحمراء التي أعلنها نتنياهو في السابق»، مشيرين إلى أن «الكونغرس سيصادق على الاتفاق، وفي أقل تقدير لا يمكن للمعارضين أن يجندوا أصواتاً تكفي للتغلب على الفيتو الرئاسي، في حال نجاحهم في المرحلة الأولى من التصويت».
وحذر المسؤولون الأميركيون من أن إلغاء الاتفاق في الكونغرس، خلافاً للتقدير السائد وشبه المؤكد لديهم، سيؤدي حتماً إلى تنصل إيران من التزاماتها في موازاة انهيار سريع لنظام العقوبات الدولية المفروضة عليها، و«في هذه الحالة سيستمرون (الإيرانيون) في أنشطتهم النووية، بينما تُدفع أميركا إلى عزلة وإلى ضعف دوليين، ما يعني أن إيران ستكون هي المنتصرة، والولايات المتحدة هي الخاسرة».
وواصل الإعلام العبري، أمس، نعيه للمعركة التي يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضد الاتفاق، التي تظهر لدى الرأي العام في الولايات المتحدة أنها معركة ضد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أكثر من كونها معركة ضد الاتفاق مع إيران.
وفيما كررت صحيفة «معاريف»، أمس، أن المعركة الإسرائيلية خاسرة لا محالة، كشفت أن رواية تل أبيب الرسمية لا تلقى قبولاً حتى لدى شريحة واسعة من اليهود الأميركيين «الذين يعربون عن قلقهم على أمن إسرائيل، لكنهم منقسمون حيال الاتفاق النووي مع إيران».
وأشارت «معاريف» إلى أن «جوجلة» آراء اليهود الأميركيين تظهر قدرة تأثير إسرائيلية محدودة عليهم، الأمر الذي يؤكد من جديد أن فرص نجاح نتنياهو باتت صفراً مطلقاً. وأضافت إن الفشل سيترك وصمة سوداء في صورة الجالية اليهودية، وصدعاً لا يمكن رأبه في موقفها، تجاه الإدارة الأميركية وتجاه المجتمع الأميركي برمته.
ولفتت الصحيفة إلى أن تل أبيب بدأت «حملة الإقناع» ضد الاتفاق مع أعضاء الكونغرس، التي يقودها المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمير، إلا أنها أكدت في مقابل ذلك أن الحملة تثير الضحك كما البكاء في الوقت نفسه، لأنها تدار بطريقة خاطئة جداً، و«ما الفائدة من الاجتماع بأعضاء كونغرس من الحزب الجمهوري الرافضين للاتفاق، لإقناعهم بضرورة رفض الاتفاق؟».
وحول موقف اليهود الأميركيين، أشارت «معاريف» إلى أن وجود «صدع» في الموقف، و«بينما يفهم الآيباك أن المعركة خاسرة»، أعلن مؤتمر اللوبي اليهودي الأميركي الليبرالي (جي ستريت)، تأييده للاتفاق النووي مع إيران، وكذلك عبر قادة اليهود الإصلاحيين في الولايات المتحدة، الأكثر حضوراً وانتشاراً بين اليهود الأميركيين، عن تأييدهم للاتفاق.
وأشارت «معاريف» إلى أن بيان الإصلاحيين اليهود كان لافتاً، إذ دعا أعضاء الكونغرس إلى دراسة تفاصيل الاتفاق و«أيضاً التعلم منه».
وكررت الصحيفة تأكيدها أن معركة نتنياهو ضد الاتفاق خاسرة، ليس فقط على أصوات الكونغرس، بل أيضاً لدى اليهود الأميركيين «الذين فقدوا ثقتهم بالحكومة الإسرائيلية، بما يشمل كبار السياسيين والنشطاء المخضرمين من اليهود، إذ إن الأغلبية العظمى من اليهود الأميركيين لا يرضون هذا النمط الصارخ من الانتقاد الإسرائيلي للرئيس الأميركي، رغم تأكيدهم الموقف الثابت في مساندة الدولة العبرية».