تزداد حصيلة مسلسل تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية بوتيرة غير مسبوقة، في ظل محاكمات غير عادلة، وترتفع معها وتيرة الانتقادات من المنظمات الحقوقية الدولية والنشطاء الحقوقيين، فيما تحاول السلطات السياسية والدينية تلميع صورتها في المجتمع الدولي القلق من تزايد هذه الانتهاكات باستخدام الخطاب الدينيعلي جواد الأمين
تشبه حفلة الإعدامات السعودية عراضة السيف الشهيرة؛ يرفع الملك سلمان بن عبدالعزيز سيفه على رقاب المخالفين لشريعته، كأنه يؤدي دوراً في الرقصة النجدية التي رقص عليها حال تنصيبه ملكاً على البلاد والعباد.

ضرب حكم الملك الجديد الرقم القياسي في تنفيذ أحكام الإعدام خلال أشهر. الحجة واحدة، وهي تطبيق الشريعة الإسلامية، في حين تبدو شراهة «السيف الأجرب» زائدة على رقاب كلّ من «خالفوا الحدود الشرعية» وفق القانون السعودي؛ جرائم ومخالفات تعدّها منظمات حقوق الإنسان ترقى إلى حدود المجازر الجماعية، كما حدث في مقتل اليمنيين الأربعة وتعليقهم على رافعة في جيزان الجنوب.
الفكر الوهابي يتغلغل في أروقة الجسم القضائي السعودي ويتحرك بحزم ضد كل من لا يستكين للحركة الوهابية

أرقام تشبه أرقام الحروب، ومشاهد القتل لا تقل روعة عن تلك التي يتلقفها الناس من حسابات «داعش» في مواقع التواصل الاجتماعي؛ مشهد قتل البرماوية العام الماضي مثال. تسريب فيديو عملية إعدامها سراً، فضح للجميع الكيفية التي قُطعت فيها رؤوس 103 سعوديين وأجانب، يوم أمس كان آخرهم، إلى أن تخطى عدد الأحكام التي تمت في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، منذ بداية العام الحالي حتّى لحظة كتابة التقرير، ما دعى سلمان إلى طلب «سيافين» ــ أون لاين ــ لإطاحة العشرات من الرؤوس التي تنتظر سماع السؤال عن أمنيتها الأخيرة.
وتيرة انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين ترتفع مع ارتفاع وتيرة تنفيذ الأحكام التي تفوق معدلات جريمة القتل بكثير. منظمة «العفو الدولية» في تقريرها الأخير (نيسان 2015) أشارت إلى أن هذا العدد من ضحايا الإعدام واحد من أعلى الأرقام التي سجلت خلال نفس الفترة الزمنية على مدى يزيد على 30 عاماً، وجاءت السعودية بين أكثر ثلاث دول في العالم من حيث عدد الإعدامات.
منظمة «هيومن رايتس ووتش» أشارت إلى أن ما يقارب نصف المعدمين صدرت الأحكام بحقهم بعد إدانتهم في «جرائم خالية من العنف تتعلق بالمخدرات»، في حين تطبّق أحكام الإعدام في السعودية إضافة إلى جرائم القتل، على جرائم الاغتصاب والردة والسطو المسلح وتجارة المخدرات وممارسة السحر، وهو ما يعدّه نشطاء حقوقيون انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، في ظل غياب أسس قانونية في معظم هذه المحاكمات التي تجري خلف الأبواب الموصدة.
وبغياب هذه الأسس القانونية، اعتبرت المنظمة «الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان» أن القضاء السعودي يمارس سطوته «على أفراد ضعفاء ليس لديهم أي علاقات مع أشخاص نافذين في الحكومة»، في حين أصدرت الحكومة السعودية بعض القوانين والتشريعات التي تضع جرائم معينة تحت هذه العقوبة، وهكذا، يتسنى للقضاء السعودي تجريم طيف واسع من المخالفات كجرائم جنائية، يمكن من خلالها الحكم بالإعدام على النشطاء السياسيين، بموجب اتهامات فضفاضة، كتهمة التحريض على المظاهرات، أو «الدعوة إلى العنف»، كالتي وجهت إلى الشيخ نمر باقر النمر في 15 تشرين الأول الماضي.
في مقلب آخر، تزداد حصيلة مسلسل تنفيذ أحكام الإعدام على أجانب أدينوا بتهمة تهريب المخدرات على الحدود السعودية، وهو ما بات محطّ قلق الحكومات التي تستقدم السعودية العمالة منها. العديد من العمال القادمين من دول جنوب آسيا، مثل باكستان، تقتادهم شبكات مافيا المخدرات السعودية، وتستخدمهم لإدخال المخدرات إلى داخل البلاد، والعشرات من هؤلاء الضحايا أعدموا على قاعدة «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، ومعظمهم شباب من عائلات فقيرة.
تقارير منظمات حقوقية في هذا الخصوص تشير إلى أن العمال الأجانب الوافدين من البلدان النامية هم أبرز ضحايا الإعدام في السعودية، حيث لا يحظى هؤلاء بمساعدة محامي دفاع ولا يتمكنون من متابعة وقائع جلسات المحكمة التي تتم باللغة العربية، وعلاوة على ذلك، ليس لهؤلاء المال الكافي لدفع الدية، في حال استطاعوا تأمين العفو من شخصيات نافذة.
وفي ظل هذا الواقع المريع، توجهت الحكومة الإندونيسية، في شهر أيار الماضي، لمنع مواطنيها من العمل في السعودية و21 دولة أخرى، وبرر وزير القوى العاملة الإندونيسي، محمد جنيف دكاري، القرار بأنها «دول ذات سجل غير مناسب في حماية حقوق العمال».
السلطات السعودية تحاول من جهتها طمس انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بأنّ «دعائم الدولة قامت على التمسك بالشريعة الإسلامية التي دعت لحفظ حقوق الإنسان وحمايتها»، كما قال الملك سلمان بعد أسبوعين من زيارة هولاند الأخيرة للرياض، رداً على رسالته المبطّنة بوقف أحكام الإعدام، معلناً من الرياض أن «فرنسا تسعى لإلغاء عقوبة الإعدام في العالم». ويأتي حديث الملك في شهر حزيران الماضي ليصبّ هذا الإطار، مؤكداً حرص الدولة على تطبيق الشريعة الإسلامية التي تتيح للجميع رفع الدعاوى على أيّ أحد، ولو كان الملك نفسه أو وليّ عهده أو أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة، فيما يحق لهؤلاء «الشفاعة من الإعدام»، كما فعل الأمير خالد الفيصل في شباط الماضي لرجلين محكومين بالإعدام بحدّ السيف لإدانتهما بجريمتي قتل.
صفاقة هذا الخطاب الذي تحاول السعودية من خلاله إظهار القضاء السعودي بأنه يطبّق الشريعة الإسلامية، دلالة واضحة على مدى تغلغل الفكر الوهابي في أروقة الجسم القضائي السعودي، الذي يتحرك بحزم ضد كل من لا يستكين للحركة الوهابية، في حين لا تبصر هيئة التحقيق والادعاء العام حملات التحريض الطائفي المفعم بأفكارها، ومناهج التكفير التي تنهل من عقائدها، والتي فرشت، بالضوء الأخضر، السجاد الأحمر للتفجيرات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت مساجد في منطقتي الدمام والقطيف.