بعد غياب قيادي استمر أشهراً عن الظهور الإعلامي والخطابات، منذ التسجيل الأخير لزعيم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، قاسم الريمي، أوائل شهر شباط/ فبراير 2017، الذي تناول فيه الإنزال الأميركي على محافظة البيضاء (وسط اليمن)، أطلّ القيادي البارز في التنظيم (السعودي من أصول حضرمية)، خالد سعيد باطرفي، بخطاب جديد دعا فيه إلى «تنفيذ عمليات جهادية ضد اليهود والأميركيين» رداً على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
خطاب يمكن فهمه، في السياق الذي جاء فيه، في اتجاهات ثلاثة: أولها متصل بصورة التنظيم نفسه لدى الرأي العام الغربي، وخصوصاً الأميركي، وثانيها مرتبط بعلاقته بمقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) المتشردين من سوريا والعراق، وثالثها متعلق بـ«الالتزامات المتبادلة» بينه وبين قوات «التحالف» الذي تقوده السعودية في اليمن.
«مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي»، التابعة لتنظيم القاعدة، نشرت، يوم أمس، تسجيلاً مصوراً للرجل الثاني في التنظيم بعد قاسم الريمي، بعنوان «واجبنا تجاه قدسنا». يدعو باطرفي، خلال التسجيل، «المسلمين داخل الأرض المحتلة إلى قتل كل يهودي بدهسه أو طعنه أو باستخدام أي سلاح ضده أو حرق منزله»، حاضاً المسلمين على «إعداد أنفسهم بكل شكل ممكن لتنفيذ عمليات جهادية ضد اليهود والأميركيين»، مشدداً على أن «الأميركيين والغرب الكافر، وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا، هم السبب الرئيسي لوجود اليهود في فلسطين».
يأتي هذا التسجيل ليدشن الفعل الكلامي لتنظيم «القاعدة» في العام الجديد، بعد عام منصرم تلقى خلاله التنظيم غير ضربة، كان أبرزها الإنزال الذي استهدف، في 29 كانون الثاني/يناير 2017، تجمعاً لمنازل قياديين في «القاعدة» في منطقة يكلا بمحافظة البيضاء. ضربات تفاخر الإدارة الأميركية، في ظل تكثيف الحملة الجوية على فرع التنظيم في اليمن في عهد دونالد ترامب، بأنها ألحقت خسائر جسيمة بـ«القاعدة». لكن خبراء أميركيين لا يزالون يشككون في نجاعة تلك الضربات، مشددين على أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» يجب أن يبقى «في أعلى لائحة الهواجس الحكومية الأميركية على صعيد الإرهاب». في ضوء ذلك، يبدو خطاب باطرفي محاولة لتعزيز الهواجس المشار إليها، بعدما انتشى كثيرون في الولايات المتحدة بأن التنظيم فقد مساحات واسعة في اليمن في عام 2016، وبأنه خسر أبرز قيادييه خلال السنوات القليلة الماضية.

يأتي خطاب باطرفي بعد شهور من الغياب الإعلامي

على مستوى ثانٍ، يحضر اليمن، إلى جانب ليبيا وأفغانستان والمناطق القبلية الباكستانية والصومال، كوجهة محتملة لمقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين كانوا يحاربون في سوريا والعراق. هذا الاحتمال لا يظهر تنظيم «القاعدة» غافلاً عنه، بالنظر إلى أن مصلحته تقتضي استقطاب «الفلول الداعشية» لتوظيفها بما يخدم مصالحه. وبناءً عليه، من غير المستبعد أن يكون خطاب باطرفي، الذي يَخبُر تنظيم «الدولة» جيداً، لكونه هو من تولى إدارة الحرب الإعلامية ضده إبان احتدام الخلاف بين الطرفين، محاولة لتصدر الواجهة «الجهادية» مجدداً، وتقديم بديل جاذب لعناصر «الدولة» الذين يشعرون بالضياع والتشريد بعدما أرادوا «الانضمام إلى دولة الخلافة والمكوث فيها».
على مستوى ثالث، يتقدم الحديث عن المعركة المنتظرة في محافظة البيضاء ضد حركة «أنصار الله»، التي يبدو أنه سيكون لمقاتلي «القاعدة» دور رئيس فيها بالتعاون مع السعودية والإمارات والجماعات الموالية لـ«الشرعية». دورٌ يقتضي، بحسب خبراء في شؤون التنظيم، أن يلتزم الأخير الصمت، ويوافق على إعلانات «ظاهرية» من قبل «التحالف» عن تحرير المدن الخاضعة لسيطرة «القاعدة» في البيضاء، مقابل الحصول على دعم عكسري ومالي من قبل الرياض وأبوظبي. بناءً على ذلك، تصبح عملية «كسر الصمت» من قبل باطرفي محاولة للفت الأنظار مجدداً، ومن ثم مساومة «التحالف» على مطالب معينة يريد التنظيم استغلال اللحظة للحصول عليها.
(الأخبار)