القاهرة ــ الأخبار | لا يزال مصير الفريق سامي عنان مجهولاً. رئيس الأركان المصري الأسبق الذي تجرأ على منافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في انتخابات الرئاسة، لا يزال قابعاً في أحد مراكز التوقيف العسكرية منذ أربعة أيام، ولا بيانات رسمية تشير، من قريب أو بعيد، إلى وضعه القانوني، أو التهم الموجّهة إليه، وذلك بعد توقيفه وإخراجه عنوةً من استحقاق كان من المأمول أن يكون سباقاً رئاسياً.
وفي الوقت الذي يواصل فيه المدعي العسكري التحقيق مع عنان، رشحت تسريبات وساطة قانونية تؤدي إلى إنهاء القضية في القضاء العسكري، وسط تسوية تضمن تحييده عن سباق الرئاسة مقابل تجنّبه المحاسبة التي يتوقع أن تكون قاسية إذا تمّ تطبيق القانون العسكري بحذافيره.
مع ذلك، كل التسويات المرتبطة بملف سامي عنان تبدو صعبة، فالتدخل الخارجي لم يعد مطروحاً، وخصوصاً أن موقفه من جزيرتي تيران وصنافير جعله عملياً بعيداً عن الخليج، فيما لم يتبدّ أي مؤشر على إمكانية استفادته من ضغط كان متوقعاً من الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية.
وطبقاً لمصادر في القضاء العسكري، ثمة حالة من السرية مفروضة على التحقيقات مع الفريق، وقد أبلغ محامو دفاعه الذين حضروا معه التحقيقات، ضرورة أن يلتزموا الصمت، وألا يتطرقوا إلى أي تفاصيل عن القضية إلى وسائل الإعلام تجنباً لإحراج موكلهم، وضماناً لسير القضية التي تشهد تداخل عدة أطراف في الوقت الراهن. يأتي ذلك في وقت كلّفت فيه الدولة المصرية «هيئة الاستعلامات» العمل على الترويج للمواد القانونية التي تم بموجبها احتجاز عنان وإحالته إلى المحاكمة، وتأكيد أن الدولة المصرية تلتزم القوانين.

الخيارات المتاحة أمام محامي «الفريق» ليست واسعة، وأحلاها مرّ

أمّا «الهيئة الوطنية للانتخابات»، فسارعت إلى التطبيق المباشر للإجراءات التي أرادتها الأجهزة الأمنية، فشطبت اسم عنان من جداول الناخبين، وأوقفت كل التوكيلات الشعبية التي صدرت باسمه عقب توقيفه، وهو قرار يتفق الخبراء القانونيون على اعتباره مخالفاً للقوانين المنظمة للعملية الانتخابية، التي تحظر إضافة أو حذف أسماء من جداول الناخبين بعد دعوتهم إلى الاقتراع وإعلان مواعيد الانتخابات. تلك المخالفة دافعت عنها الهيئة بنص آخر يحظر إدراج أسماء العسكريين في جدول بيانات الناخبين.
وكانت «هيئة الانتخابات» قد كشفت للمرة الأولى عن تفاصيل القاعدة القانونية الاستثنائية التي صدرت إبان حكم المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت «ثورة 25 يناير»، والتي أُدرجت في المرسوم بقانون رقم 133 لسنة 2011، وتنص على تطبيق الاستدعاء كأثر مباشر بمجرد خلع البزة العسكرية لجميع أعضاء المجلس الموجودين في السلطة آنذاك.
والمرسوم واحد من ستة قرارات صدرت بعد أحداث ماسبيرو ومحمد محمود في 2011، وقد اتهم فيها الجيش المصري بالتسبب في قتل المتظاهرين. وكان الهدف من المرسوم الذي أصدره المجلس آنذاك برئاسة المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق عنان، تحصين الجنرالات من المحاكمة أمام القضاء، بعد تسليم السلطة التشريعية لمجلس النواب الذي كان يجرى انتخابه، وخاصة أنه سيطرت على أغلب مقاعده جماعة «الإخوان المسلمون». والأخيرة كانت قد تعهدت وفق تصريحات قادتها بمحاسبة المسؤولين كافة عن إراقة الدم المصري، ومن بينهم المجلس العسكري الذي كان في عضويته عبد الفتاح السيسي مديراً للمخابرات الحربية آنذاك.
في غضون ذلك، كشفت مصادر لـ«الأخبار» أن عنان كان داعماً بقوة للمرسوم الذي يحاكم بموجبه الآن، والذي كان يستهدف توفير محاكمة لائقة للجنرالات أمام القضاء العسكري في حال تصعيد الأمور بعد تسليم الحكم لرئيس مدني. والمفارقة أن المرسوم المذكور لم ينشر في الجريدة الرسمية، ما يعني أنه غير قانوني، وفق قرارات المحكمة الدستورية التي أصدرت، في وقت سابق، قراراً ببطلان القوانين والمراسيم والقرارات التي تصدر عن السلطة التنفيذية ولا تنشر في الجريدة الرسمية التي تعتبر مرجعاً قانونياً لكل التشريعات وتعديلاتها.
على هذا الأساس، تحدثت مصادر قانونية إلى «الأخبار» عن احتمال لجوء محامي عنان إلى الطعن بدستورية المادة الخاصة باستدعاء أعضاء المجلس العسكري فور خلعهم البزة العسكرية أمام القضاء العسكري، لكنها أشارت إلى أن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، بالإضافة إلى كونه سيجعل عنان مواطناً عادياً بعد تقاعده، ما يعني أنه سيمكن التحقيق معه في النيابة العامة المدنية وليس العسكرية في أي جرائم أو مخالفات خلال المدة التي كان يعمل فيها داخل القوات المسلحة، بما في ذلك قتل المتظاهرين.
وفق المصادر نفسها، فإن ملفات عنان موجودة بالكامل لدى القضاء العسكري، ومحامو الفريق يدركون جيداً صعوبة موقفه من الناحية القانونية والعقوبات المشددة التي تنتظره والتي تفوق بمراحل عقوبة السجن المشدد لست سنوات، أي التي حكم بها على العقيد أحمد قنصوة، على خلفية إعلان الأخير اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية بالبزة العسكرية.