القاهرة ــ الأخبار كشف الاجتماع الرباعي الذي انعقد في القاهرة، الأسبوع الماضي، بين وزيري الخارجية ورؤساء أجهزة الأمن والمخابرات في مصر والسودان، عن مساعي البلدين للتنسيق العسكري والأمني والسياسي في ملف أمن البحر الأحمر، في إطار رؤية واضحة تطّلع عليها الدول الرئيسية في الإقليم، بخاصة السعودية، وذلك بعد المناورات السياسية بين البلدين التي تواصلت منذ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم في نهاية العام الماضي، وإبرامه صفقة جزيرة سواكن.

مسؤول دبلوماسي مطّلع على الملف الأفريقي يقول في حديث إلى «الأخبار» إنّ «ملف أمن البحر الأحمر من الشواغل الرئيسة للإدارة السياسية المصرية، خاصة في ظلّ إعادة رسم خريطة السيادة والتوازنات في المنطقة»، مشيراً إلى أنّه «رغم ما يُعلنه الجانب السوداني من أنّ تسليم جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر إلى الإدارة التركية هو مجرد صفقة تنموية لإعادة تأهيل الجزيرة وجعلها مقصداً سياحياً، (فإنّ ذلك) لم يكن مصدر طمأنة لمصر، خاصة في ظلّ المعلومات المتوافرة عن اتفاقات تعاون وتعزيزات عسكرية تركية للسودان».
جدير بالذكر أنّ وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أعلن في أعقاب زيارة الرئيس التركي للخرطوم عن توقيع اتفاقات تتعلق بأمن البحر الأحمر، مؤكداً اهتمام تركيا بأمن السودان وغيرها من الدول المطلة على هذا البحر كالصومال، ولافتاً إلى أن بلاده تواصل تعزيز التعاون في الصناعات العسكرية والدفاعية مع السودان.
المصدر الدبلوماسي يوضح في سياق حديثه أنّ «الاجتماع (مع السودانيين) لم يحسم بشكل نهائي صيغة التعاون الأمني في هذا الملف، ولكنه على الأقل مثّلَ بداية لتوضيحات مباشرة لكلا الطرفين عن طبيعة أي تحركات تبدو مقلقة»، مشيراً في ذلك إلى التخوّفات التي أبداها السودانيون إزاء «تحركات عسكرية، مصرية إماراتية مع إريتريا»، يرون أنّها قد تستهدفهم.
المصدر الذي حضر اللقاءات التي استضافتها القاهرة يضيف أنّ «الاجتماع حسم أيضاً عناصر التهديد التي تتفق الدولتان على التعامل معها، وذلك في إطار رؤية إقليمية لتحقيق أمن المنطقة وحماية المصالح المشتركة، وخلص إلى التعاون بشفافية وتحديد مواقف موحدة في ما يتعلق بتحركات الحوثيين أو إيران وتركيا، وأهمية التنسيق المستمر مع السعودية في هذا الإطار».
كانت معلومات متداولة إعلامياً تشير إلى تحركات أمنية مصرية مع الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، على رأسها إريتريا والصومال وجيبوتي، هدفها تتبّع أيّ تحركات تركية للتدخل أو فرض نفوذها في المنطقة، سواء أكان من باب تعاون اقتصادي، أم من باب تعاون عسكري. وعززت هذه التقارير زيارة الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، للقاهرة عقب زيارة أرودغان للخرطوم، وكان الملف الرئيسي على أجندة اجتماعات السيسي ــ أفورقي هو ملف البحر الأحمر، وكيفية التعاون ضد أي تحركات «قد تضرّ الأمن القومي والمصالح المصرية في المنطقة».
مسؤول أمني آخر مطلع على الملفات الإقليمية يلفت في تصريح إلى «الأخبار» إلى أنّ «مصر لا تتحرك بشكل منفرد في ملف أمن البحر الأحمر، لكن هناك تنسيق دائم مع السعودية والأردن واليمن من جهة، والدول الأفريقية، إريتريا وجيبوتي والصومال والسودان من جهة أخرى». ويرى أنّ «فكرة فرض السيطرة والنفوذ العربي على دول أفريقية لضمان ورعاية مصالحها في البحر الأحمر لم تعد قائمة من دون ربطها بمصالح اقتصادية، (خاصة في الوقت الذي) أصبحت فيه بعض الدول تتعامل مع القواعد العسكرية كأنّها مصدر رئيسي لدعم الاقتصاد، مثل جيبوتي التي تُوَظِّفُ موقعها الجيوسياسي في ما يُطلق عليه بيزنس القواعد العسكرية».
ولمنطقة القرن الأفريقي المطلة على البحر الأحمر أهمية استراتيجية، خاصة أنّها تطل على الممرات الرئيسة للتجارة العالمية، حيث تصل تقارير إلى حدّ التقدير أنّه يُنقل عبر منطقة البحر الأحمر «ما نسبته 85 في المئة من تجارة النفط في العالم»، ما جعلها منطقة تنافس جيوسياسي. وقد دفع ذلك القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وفرنسا، نحو السعي لإقامة قواعد عسكرية دائمة في جيبوتي وإريتريا، ودفع أيضاً القوى الإقليمية، كالإمارات والسعودية، نحو الأمر نفسه. لكنّ التنافس زادت حدّته مع دخول قوى الشرق الأوسط كإيران وتركيا إلى الساحة، حيث يتوقع المراقبون أن يتحوّل الاهتمام المتزايد للقوى الإقليمية والدولية من التنافس في فرض النفوذ إلى الصراع المستقبلي.

مصر لا تتحرك وحدها إذ هناك تنسيق دائم مع السعودية وغيرها


ويرى متابعون أنّ ما يشغل القاهرة أو السعودية في منطقة البحر الأحمر «ليس السودان فقط»، إذ إنّ هناك الكثير من نقاط الضغط والتعاون تخصُّ ملفات أخرى مع الأخيرة، يمكن أن تُشكِّل مدخلاً لتفاهمات مشتركة، ولكن إنّ «تأمين المصالح العربية» مع جيبوتي وإريتريا أصبح التوجه الأكثر اهتماماً الآن «في مواجهة تصاعد النفوذ التركي والإيراني».
من جهة أخرى، ترى دول أفريقية، مثل جيبوتي، في التنافس الدولي أو الشرق أوسطي مدخلاً رئيساً لدعم اقتصادها من خلال رفع العائد الاقتصادي من القواعد العسكرية، الذي وصل العام الماضي إلى 1.8 مليار دولار، تضاف سنوياً إلى خزانة الدولة.
ومن وجهة نظر مصرية، إنّ متابعين لملف العلاقات العربية ــ الأفريقية يرون أنّ مدخل التعاون الاقتصادي يُمكن أن يُشكِّل محوراً رئيساً لتحويل منطقة البحر الأحمر من منطقة نفوذ وتوازنات عسكرية إلى «ممرّ للتنمية والاستثمار في المقومات الاقتصادية، خاصة بعد إطلاق مشروع نيوم الاستثماري بين السعودية والأردن ومصر، والمقدّر أن تضخ فيه استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار»، وفي ظل الحديث عن «المشروعات السياحية التي تعتزم السعودية إطلاقها في تيران وصنافير بعد نقل السيادة المصرية عليها إلى المملكة». يُضاف أيضاً مشروع «تنمية البحر الأحمر الذي أطلقة ولي العهد السعودي ليكون وجهة سياحية عالمية ضمن رؤية المملكة 2030 لإقامة منتجعات سياحية على أكثر جزيرة طبيعية في البحر الأحمر».
ويبقى ملف البحر الأحمر على أجندة اهتمام الدول المحورية في المنطقة، وذلك لضمان حماية المصالح التاريخية القائمة والمتمثلة في حركة التجارة، ولإيجاد موقع على خريطة السيادة التي ستخلقها التحالفات الجديدة في المنطقة وفق ملامح مشروعات التنمية المنتظرة والمصالح الاقتصادية.
وفي حديث إلى «الأخبار»، يرى مختار قنديل، وهو خبير استراتيجي، إنّه في ظلّ الحديث عن التنافس العربي ــ الأفريقي في منطقة البحر الأحمر، لا تزال هناك مخاطر تُواجه مصالح كافة الأطراف، خاصة «في ظل سيطرة الحوثيين واستمرار أعمال القرصنة بسبب عدم استقرار الأوضاع في الصومال». ويؤكد قنديل أنّ استغلال وتنفيذ اتفاقات التعاون العسكري بين الدول العربية والأفريقية المطلّة على البحر الأحمر، يمكن أن يُمثِّلا «ضمانة لحماية حركة التجارة العالمية ومصالح الدول المختلفة».