بعد إعلان الدول الثلاث الضامنة لاتفاقات «خفض التصعيد»، روسيا وتركيا وإيران، عقد قمة رئاسية مرتقبة، عادت لتضرب موعداً جديداً للقاء في أستانا، على المستوى الوزاري، يفترض أن يتطرق لعمل تلك الاتفاقات وإمكانية توسيعها. الاجتماع الوزاري الذي يبدو نقطة مهمة لإعادة ترتيب أوراق مسار «أستانا»، ومن خلفه «سوتشي»، خاصة بعد التطورات الأخيرة في الميدان، قد يكون مدخلاً لجملة توافقات جديدة تجد طريقها إلى قمة الرؤساء، التي يفترض أن تستضيفها العاصمة التركية.
وبرغم أن الاتصالات المستمرة بين الأطراف الثلاثة عملت على حل بعض «العقبات» التي واجهت تطبيق مخرجات أستانا على الأرض، غير أن الاجتماعات المقبلة قد تتجه إلى تأطير ما أُنجز بهدف الحفاظ عليه.
رهان الدول الثلاث على التعاون البيني في أستانا وسوتشي، يرتبط مباشرةً بمآل العلاقات التركية ــ الأميركية خلال المرحلة المقبلة، التي زادتها عملية «غصن الزيتون» التركية تعقيداً. ووفق وصف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فإن علاقة بلاده بالولايات المتحدة وصلت إلى نقطة «حرجة للغاية... فإما أن يجري إصلاحها أو أنها ستتصدع بالكامل». وبينما ينتظر أن يزور وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أنقرة ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث جملة ملفات، على رأسها تطورات الشمال السوري، وعلاقة بلاده مع «وحدات حماية الشعب» الكردية، أصرّ جاويش أوغلو على أن مطالب بلاده من واشنطن «واضحة وصريحة»، معتبراً أن الجانب الأميركي لا يهاجم جيوب «داعش» الباقية في سوريا للإبقاء على ذريعة لدعم «الوحدات» الكردية.

وصل مسلحو «داعش»
إلى محيط بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي

المحاولة الأميركية لترميم العلاقة مع تركيا، في حدود تحافظ على مكاسب الأكراد في الشمال السوري، ستتضمن أيضاً اجتماعاً بين وزيري دفاع البلدين في بروكسل، على هامش الاجتماع الوزاري للدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» في الخامس عشر من شباط الجاري. وفي حركة استفزازية تدلّ على طبيعة العلاقة المتشنجة بين البلدين، كشف رئيس بلدية أنقرة، مصطفى طونا، أنه وقّع على مقترح لتغيير اسم الشارع الذي يضمّ مبنى السفارة الأميركية إلى «غصن الزيتون»، موضحاً أنّ المشروع سيُعرَض على مجلس بلدية أنقرة. ومع استمرار العدوان التركي على عفرين، خرج قائد «الوحدات» الكردية سيبان حمو، أمس، في مؤتمر صحافي عبر «سكايب»، ليؤكد ترحيب قواته بدخول الجيش السوري «من أجل الدفاع عن عفرين وعن حدود عفرين في وجه الاحتلال التركي». كلام حمو جاء ليجدد مطالب كردية سابقة بتولي الجيش السوري مسؤولية الدفاع عن الحدود ضد الهجوم التركي، وهو عرضٌ سبقَ أن أوضحت مصادر كردية أن دمشق رفضته، مشترطة سيطرتها الكاملة على منطقة عفرين، بما في ذلك كامل المؤسسات الإدارية التي تديرها حالياً «الإدارة الذاتية». وأضاف حمو في حديثه، أن «النظام يصرِّح دائماً بأن عفرين جزء من سوريا، ونحن دائماً نقول إن كانت جزءاً من سوريا، فعليك أن تقوم بواجبك»، موضحاً أن «الوحدات» الكردية تعدّ مناطق سيطرتها جزءاً من الأراضي السورية. وقال إنه «حتى اللحظة لم نرَ أي خطوة عملية من قبل الدولة تجاه العدوان التركي على عفرين»، مشيراً إلى وجود «تنسيق محدود» مع القوات الحكومية لتسهيل إدخال مساعدات إنسانية إلى عفرين.
وعلى الأرض، استمرت المعارك في عدد من المحاور على أطراف منطقة عفرين، وتركزت بنحو رئيسي في غرب وجنوب غرب ناحية جنديرس، حيث يسعى الأتراك للوصول إلى أطراف مركز الناحية ومحاولة احتلالها. وأعلنت الفصائل العاملة تحت الإمرة التركية أنها سيطرت على بلدتي محمدية وتل العمارة، فيما أفادت «الوحدات» الكردية بأن الاشتباكات ما زالت تدور هناك. وبالتوازي، أعلنت هيئة أركان الجيش التركي أمس، مقتل 31 جندياً تركيا وإصابة 143 آخرين، منذ بدء عملية «غصن الزيتون». أما في ريف إدلب، فقد شهدت بلدة الخوين الكبير اشتباكات بين مسلحي «داعش» من جهة و«هيئة تحرير الشام» والفصائل العاملة معها، من جهة أخرى. وتمكن «داعش» من الوصول فجر أمس إلى حدود بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي، فارضاً سيطرته على بلدتي الخوين الكبير والزرزور، وفق مصادر معارضة. ويهدد وجود التنظيم هناك بتوسيع رقعة الاشتباكات لتشمل بلدات مهمة في عمق منطقة «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها، وهو ما قد يفضي لاحقاً إلى إطلاق عمليات عسكرية بهدف استعادة البلدات التي قد يسيطر عليها هناك.
(الأخبار)