عمان ــ الأخبار | لمدة 14 عاماً أمسكت حبال المحاكم الأميركية بالبنك العربي في قضية رفعها عليه أكثر من 100 شخص يحملون الجنسية الأميركية اتهموا البنك بالتورط في تحويل أموال لعائلات فلسطينيين نفذوا عمليات فدائية تبنتها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في فلسطين ضد العدو الإسرائيلي وقد قتل فيها أقارب لهم.
البنك بقي طوال تلك السنوات رافضاً الاتهامات ونافياً علمه بهذه الصلة، كما أصرّ على التزامه القوانين الدولية بخصوص تحويل الأموال.
منذ أيام قليلة، انتهت قضية «تحويلات حماس» أخيراً لمصلحة «العربي» كما قال بيان أصدره البنك ونشرته الصحف المحلية في الأردن، لكن مع غياب أي تفاصيل، إذ إن اسم «حماس» الموجود على «القوائم الأميركية للإرهاب» لم يذكر في البيان، كما لم يشر إلى طبيعة القضية وماذا يعني الحكم الذي كان مشروطاً بدفع تعويضات لعائلات الضحايا وفق نشرة أخبار البنك بتاريخ 1 شباط 2016، التي أوردت حجم الأرباح لعام 2015، وبيّنت قيمة المخصصات المقتطعة خلال ذلك العام مقابل القضية المرفوعة ضده في نيويورك والمقدرة بنحو 349 مليون دولار.
بهذا الإجراء، يكون البنك قد رصد مليار دولار لغايات المحاكمة خلال بضع سنوات، لكن لا يمكن الجزم إذا كان الأمر قد توقف عند هذا الحد، خاصة مع غياب أي معلومات في النشرات الدورية الموجودة على الموقع الإلكتروني له. ونقلت وكالة «رويترز» أن محكمة استئناف أميركية ألغت (الجمعة) قراراً أصدرته هيئة محلفين في أيلول 2014 بأن البنك العربي مسؤول عن تسهيل هجمات نفذها مسلحون على صلة بـ«حماس»، عبر تحويلات مالية. وقالت المحكمة، ومقرها مانهاتن، إن المحلفين في بروكلين في نيويورك الذين قيموا دور البنك العربي في 24 هجوماً بدايات الألفية الثانية «وصلتهم معلومات غير صحيحة وردت ضمن مزاعم أحد المدعين»، علماً أن البنك توصل بعد الحكم الأول إلى تسويات مع 527 مدعياً كانوا ضحايا أو أقارب لضحايا الهجمات، إذ اتفق الطرفان وقتها على التخلي عن إعادة المحاكمة حال إلغاء الحكم.
بالعودة إلى بيان البنك، ورد شكر للحكومة الأردنية والبنك المركزي الأردني على «الجهود المبذولة على مدار عمر المحاكمة»، علماً أن «العربي» الذي يتخذ من العاصمة عمّان مقراً رئيسياً وله 600 فرع في جميع أنحاء العالم واحد من أهم الاستثمارات المصرفية المحلية، ويشارك في مجلس إدارته أطراف عدة على رأسهم الملياردير صبيح المصري (الذي نفى أخيراً أن يكون قد احتجز في السعودية ضمن حملة القضاء على الفساد التي نفذها ولي العهد محمد بن سلمان)، لكن ينوب عنه باسم عوض الله الذي شغل مناصب سياسية حساسة في الأردن منها رئيس الديوان الملكي، ومدير مكتب الملك عبد الله، ووزير التخطيط والتعاون الدولي. كذلك، يظهر أعضاء آخرون مهمون في مجلس الإدارة منهم أرملة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، نازك الحريري، في حين أن الوجود السعودي في البنك يتمثل بصالح بن سعد المهنا ممثلاً عن المالية السعودية، وهناك تمثيل عن «مؤسسة الضمان الاجتماعي» التي تعد محفظة التقاعد للأردنيين.

بينما نجا البنك بأمواله علق مواطنون لا يملكون «فدية» ولا حكومة تسأل عنهم

من المهم الإشارة إلى أن هناك قضايا أخرى مرفوعة على البنك أمام المحاكم الأميركية تقدّم بها أشخاص غير أميركيين، لكن موقف «العربي» أقوى ويتوقع كسب هذه القضايا التي لم تخرج عن نطاق التحويلات لحركات مدرجة على «قوائم الإرهاب»، وهو ما يطرح السؤال عن كيفية انتهاء القضية المذكورة، وهل أتت ضمن صفقة شملت عدة أطراف أم عملية «إنقاذ» أردنية مدفوعة الثمن؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، من المهم تتبع التعاطي الأميركي في قضايا «الإرهاب» مع الأردن، فمثلاً أُدرجت أسماء مواطنين يحملون الجنسية الأردنية على «قوائم الإرهاب» وتم توقيفهم بالفعل في قضايا متعلقة بهذا الشأن، كما صدرت أحكام عالية بحق بعضهم وهم مسجونون منذ سنوات في الولايات المتحدة. كذلك ثمة عدد من الفلسطينيين يحملون أيضاً الجنسية الأردنية (نتيجة للوضع القانوني لفلسطينيي الضفة بعد ضم الأردن إليها عام 1950 ثم فك الارتباط بها عام 1987) موجودون في السجون الأميركية، لكن لا توجد معلومات واضحة عنهم على موقع وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، ولا حتى لجنة تتابعهم، فيما تناقلت الأنباء قبل سنوات خبر الإفراج عن ثلاثة أردنيين من سجن غوانتانامو دون تفاصيل وافية.
في هذا الإطار، يقول المحامي فوزي السمهوري، الذي تابع قبل عدة سنوات قضية المحتجزين الأردنيين في الخارج من الجانب الحقوقي، إن هذا الملف قديم ولا توجد متابعة له حتى من ذوي المعتقلين، مضيفاً أن لا معلومات دقيقة حتى عن المفرج عنهم. وذكر السمهوري، في حديث إلى «الأخبار»، أن المفترض أن تبين السلطات الأميركية أسماء المعتقلين لديها وخلفيات الاحتجاز سواءً أكانت قضايا إرهاب أم متعلقة بجوانب جنائية أم مخالفات لقوانين الهجرة.
الوضع نفسه أكده المحامي عبد الكريم الشريدة الذي قال إنه لا متابعة لقضايا المحتجزين عبر وزارة الخارجية أو الداخلية في المملكة، مقدراً عدد الموقوفين على خلفيات سياسية في الولايات المتحدة الأميركية بـ3 أو 4. وقال الشريدة، الذي كان مديراً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن الحكومة الأردنية «لا تحرك ساكناً في ظل أنها لن تسعى لتخريب علاقاتها مع الولايات المتحدة بطرق هذا الباب»، مشيراً إلى قضية المعتقل محمد زكي العماوي الذي تم تسليمه في عهد رئيس المخابرات محمد الذهبي (المسجون حالياً على قضايا مالية) للمخابرات المركزية الأميركية، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة على متن طائرة خاصة. آنذاك، نفت المخابرات تسليم العماوي وادعت وجوده لديها إلى أن فوجئت والدته بصورته واسمه ضمن تقرير على أحد القنوات الأميركية أثناء وجودها هناك.
يضيف المحامي أن بعض المعتقلين «بلغت محكومياتهم سنوات خيالية»، لافتاً إلى إياد محمود نجم الذي وصل حكمه إلى 240 سنة قضى منها 18 في سجن انفرادي وفي ظروف غاية في السوء، كما تعرض للتعذيب النفسي والجسدي وفق ما ذكر في رسالة وصلت ذويه عام 2014، علماً أن السلطات الأميركية كانت قد اعتقلت نجم من المملكة دون وجود أمر قضائي بتسليمه.
هكذا تجري الأمور بين عمان وواشنطن، إذ إن الاتهامات بالإرهاب أو بدعم المقاومة تصدر ضمن لوائح تعلنها الأخيرة التي تكون هي من تدعي وتحاكم وتسجن، وليس غريباً رفع هذه القضايا في ولاية نيويورك كما في حال البنك العربي أو قضية إياد نجم، في ضوء أنها واحدة من الولايات الشهيرة في سوق المال والبورصة، والمتأمل في موضوع قوائم الإرهاب يلاحظ ارتباطها بوزارة الخزانة الأميركية، إذ لا ينفصل كل هذا عن الضغط المنهجي على المقاومة بتجفيف مواردها، ويطاول هذا الضغط حتى عائلات المقاومين وحساباتهم الشخصية.
هذا التزاوج بين السياسة والمال يتحكم بأسماء المنظمات والجمعيات والأفراد المدرجين على القوائم الأميركية، ويحوّل الأخيرة إلى وسيلة ابتزاز لجمع المال، وذلك بدليل الانتقائية في التعامل مع أولئك «الإرهابيين» وفق تجاوبهم مع السلطات الأميركية المختلفة. وقد يجد المرء نفسه قد تبرع بدولار إلى صندوق «جمعية خيرية» في يوم ليفاجأ بعدها بالقبض عليه وتسليمه للولايات المتحدة ثم «يُنسى كأنه لم يكن»، خصوصاً إذا لم يكن يمتلك مليار دولار كالتي خصصها البنك العربي للنجاة بنفسه، أو دعماً سياسياً حكومياً ــ إقليمياً.