القاهرة | تواصل أجهزة الدولة المصرية تنفيذ الإزالات في منطقة «مثلث ماسبيرو». المنطقة الشعبية العشوائية الواقعة خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون الشهير، والمعروف باسم المهندس الفرنسي الذي صممه، والمطلة على النيل، باتت تحت يد الدولة بشكل شبه كامل، بعد عمليات إخلاء موسعة، وتعويضات محدودة صرفت للأهالي، الذين لم تصبح لديهم قدرة على الاختيار إلا بالبدائل المفروضة حكومياً.
الحكومة المصرية طرحت ثلاثة اختيارات لسكان «المثلث»: الأول، توفير شقق بديلة لهم كإيجار في حي الأسمرات، الذي طُوِّر لمصلحة سكان العشوائيات؛ أو الحصول على تعويضات مالية، تمّ تقدير ثمن الغرفة فيها بمئة ألف جنيه، وهو رقم أقل بكثير من القيمة السعرية للأرض والشقق في هذه المنطقة؛ فيما منحت وزارة الاسكان إمكانية حصول السكان على مبلغ 40 ألف جنيه (2250 دولاراً)، يمكّنهم من استئجار مكان «مناسب» لهم لمدة ثلاث سنوات، على أن يعودوا بعد ذلك، لتسلّم شقق سكنية مساحتها 65 متراً في الأحياء التي سيجري بناؤها لهم، بعد تطوير «المثلث» بالكامل.
عملية الإخلاء بدأت قبل أشهر، لكنها بلغت ذروتها أخيراً، مع بقاء نحو 800 أسرة رفضت مغادرة مساكنها، وفق الشروط والقواعد التي وضعتها وزارة الإسكان، خاصة أن أسعار تقييم الغرف جاء أقل من سعرها السوقي، في حين أنّ الوحدات الجديدة التي ستُستأجَر بعد إعادة بنائها، سيكون إيجارها ألف جنيه، وبالتالي أعلى من قدرة الكثير منهم، وهو ما عبّروا عنه في تصريحات، لم يعد الإعلام ينقلها، في ظل تأكيد الدولة المصرية لضرورة تطوير المنطقة «بتعليمات من جهة سيادية».
وعلى مدار سنوات، لم تتمكن أيٌّ من الحكومات المصرية المتعاقبة من إخلاء «مثلث ماسبيرو»، أو التفكير في ذلك، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة للمقيمين فيها، ولكن الحكومة الحالية ذهبت في مشروعها إلى أقصى حدود، من خلال خطة تطوير، تسعى من خلالها إلى تحويل «المثلث» إلى منطقة تجارية بمعايير عالمية، مستعينة بشركات تخطيط أجنبية كبرى.

عملية الإخلاء بدأت قبل أشهر، لكنها بلغت ذروتها أخيراً


وبموجب خطة التطوير، سيُعاد تخطيط منطقة «مثلث ماسبيرو» لتشمل أبراجاً سكنية فارهة مطلة على النيل، بجانب مراكز تجارية ضخمة، ستمكّن الدولة المصرية من استعادة ثمن التطوير مضاعفاً بالأرباح.
صحيح أن غالبية أراضي «مثلث ماسبيرو» هي من الأملاك العامة، التي أُقيمت عليها المباني السكنية، إلا أنّ ملّاك الأراضي الأخرى، تعرضوا لظلم واضح في عملية التقييم، وما زال بعضهم يرفض الخروج، مهدداً بالاعتصام، وهو ما دفع السلطات إلى تأجيل عملية الإخلاء الكامل لمدة ثلاثة أشهر جديدة، تنتهي في نهاية الشهر المقبل، وذلك في محاولة للوصول إلى صيغة تفاوضية، من دون دفع أية مبالغ مالية إضافية في التعويضات، لتجنب غضب العائلات التي رحلت بالفعل.
ويطالب الأهالي بزيادة قيمة التعويضات المخصصة لهم، سواء عن الرحيل النهائي، أو خفض قيمة الإيجار على الوحدات السكنية بعد عودتهم، فسكان المنطقة غالبيتهم من الحرفيين والعمال الذين يعملون بـ«اليومية»، وبالتالي لن تكون لديهم القدرة على دفع الإيجارات الجديدة لوحدات كانوا يقيمون فيها لقاء جنيهات محدودة، بالإضافة إلى استحالة عثورهم على شقق للإيجار في مناطق قريبة لمدة ثلاث سنوات بقيمة الإيجار نفسها.
ويشتكي الأهالي من عدم المساواة بين الشقق التي سيحصلون عليها، وباقي المناطق التي جرى فيها التطوير للوحدات العشوائية، خاصة أن وزارة الإسكان أخبرتهم بأن مساحات الشقق الجديدة ستكون 60 متراً فقط، في حين أن غالبية الوحدات التي بُنيَت بفترات سابقة وصلت إلى 90 متراً، وسكانها يدفعون إيجاراً يمثل النصف، قريباً من المقرر أن يقوموا بدفعه.
يشكك محامو أهالي «مثلث ماسبيرو» في صيغة العقود المبرمة بين السكان والحكومة، فهي صيغة يراها الأهالي فضفاضة وتحمل الكثير من التأويل وسط مخاوف من إجبارهم على الرحيل النهائي لاحقاً، في مقابل تعويضات أعلى، خاصة مع تحول طبيعة المنطقة من إحدى أكثر المناطق شعبية إلى منطقة استثمارية مع عدم السماح للسكان ببيع وحداتهم، لكونهم سيتحولون من ملّاك، كما هو الوضع الآن، إلى منتفعين بموجب عقود تمنحها لهم الوزارة.
المدير التنفيذي لصندوق تطوير العشوائيات خالد صديق أكد وجود استحالة في خفض الإيجارات في المنطقة، مع تعويض الأهالي بالمبالغ المعلنة حال ما رغبوا في الرحيل النهائي، مشيراً إلى أن تكلفة الوحدة السكنية في المشروع، خلال خطة التطوير تصل إلى 500 ألف جنيه (28 ألف دولار)، وسيحصل عليها الأهالي بألف جنيه (56 دولاراً) كإيجار شهري، مرجعاً ارتفاع قيمة الوحدة، إلى ارتفاع أسعار المواد الإنشائية، بجانب المساحات الخضراء والحدائق التي ستُنشأ لخدمة المنطقة بشكلها الجديد.