الرباط | خلقت التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب «العدالة والتنمية» المغربي، عبد الإله بنكيران، تصدّعات سياسية واصطفافات حزبية داخل الحكومة، إذ هاجم قبل أيام حزبين حليفين لحزبه الذي يقودُ الائتلاف الحكومي، هما «الاتحاد الاشتراكي»، و«التجمع الوطني للأحرار»، وهو ما قرأ فيه مراقبون تهديداً للتماسك الحكومي، الذي لم يكد يتشكل بعد جمود سياسي استمر لمدة ستة أشهر ونيف من العام الماضي.
التصريحات وصف فيها بنكيران حليفي حزبه في الحكومة بـ«أحزاب الفساد»، ويبدو أنها لم تمرّ مرور الكرام أمام الحزبين اللذين عمدا إلى «تغييب» وزرائهما عن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. وبدا الاصطفاف واضحاً بين «الأحرار» و«الاتحاد الاشتراكي» و«الاتحاد الدستوري» و«الحركة الشعبية»، إذ أبلغ عدد من زعماء هذه الأحزاب رئيس الحكومة، والأمين العام لـ«العدالة والتنمية»، سعد الدين العثماني، رفضهم التصريحات، وطالبوه برد فعل «يُعيد الاعتبار إلى الأغلبية الحكومية، ويدرأ عنها التصدعات».
هذا الأمر دفع قيادات الصف الأول في «العدالة والتنمية» إلى إطلاق تصريحات تؤكد فيها أن كلام بنكيران «يعني شخصه لا الحزب»، وهو ما أكده القيادي في الحزب ووزير الطاقة والمعادن، عزيز رباح، لـ«الأخبار»، مشدداً على أنّ كلام بنكيران «لا يعني أي موقف رسمي من الحزب تجاه حلفائه في الحكومة». وأضاف رباح أن «جميع مكونات الأغلبية الحكومية على درجة عالية من التفهم لهذا الفرق».
في الجهة الأخرى، فاجأ حزب «التقدم والاشتراكية» (يساري مشارك في الحكومة)، الذي كان حليفاً قوياً لبنكيران في الولاية السابقة، مكونات الائتلاف، بالوقوف إلى صف الرجل، إذ انتقد الحزب في بيان ما سماها «التفاعلات السلبية الناجمة عن العلاقات بين أطراف من الأغلبية، وما أدت إليه من ردود أفعال غير مواتية ولا مسبوقة وصلت إلى حد عدم الاضطلاع بمهمات دستورية».
ويرى مراقبون أن المقصود بتهمة «عدم الاضطلاع بمهمات دستورية» رد فعل حزب «التجمع» الذي قاطع وزراؤه الجلسة الأخيرة، كذلك قاطعوا زيارة رئيس الحكومة، العثماني، لمنطقة الشرق. وقال البيان إنّ «من غير المقبول أن تصبح تصريحات أمين عام سابق في جدول أعمال الأغلبية الحكومية»، منبهاً إلى أنّ «الاتفاق أو الاختلاف مع ما عبّر عنه بنكيران في مؤتمر شبيبته يظلّ مقبولاً دون أن يتجاوز ذلك إلى تعطيل المؤسسات الدستورية».
سعياً لتطويق الأزمة، سارع العثماني إلى عقد اجتماع لقياديي حزبه، وذلك لبلورة موقف إيجابي إزاء حلفائه في الحكومة. وفي هذا الإطار، قال مصطفى الخلفي، وهو قيادي في الحزب، والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، لـ«الأخبار»، إن «رئيس الحكومة أكد أن الأغلبية تواصل مهماتها بطريقة عادية»، موضحاً أن «العدالة والتنمية حريص على تماسك الأغلبية والتزام وفائه لتحالفاته والتزاماته ضمنها، باعتباره في موقع تحمل المسؤولية الوطنية».
أما على صعيد النتائج، فيرى عبد العزيز السحيمي، وهو أستاذ العلوم السياسية في «جامعة محمد الخامس» في الرباط، أن «تغيّب وزراء حزبي التجمع والاتحاد الاشتراكي لا يمكن أن يحصل إلا بإيعاز من السلطات العليا في البلاد»، في إشارة إلى القصر الملكي. ووصفها بأنّها «قرصة أذن» من الحزبين لرئيس الحكومة، لأن «تصريحات بنكيران كانت فعلاً محرجة لهم إلى حد كبير».
ولفت السحيمي إلى أنّ الأخطر في هذه الأزمة هو «تصدر التقدم والاشتراكية، وهو أصغر حزب في التحالف الحكومي، لمواجهة أحزاب ضاغطة داخل الحكومة».
أما محمد الزهرواي، وهو أستاذ العلوم السياسية في «جامعة القاضي عياض»، فقال إن تصريحات بنكيران «فيها تهديد مبطن، وهو يحاول أن يفرض نفسه كرجل مرحلة، ووجه رسالة إلى تيار الوزراء في حزبه بأنه لا يزال قادراً على إدارة الحزب وليس لديه مشكلة في شعبيته»، مشيراً إلى حديث الأخير من قبيل «إذا رغبت الدولة في حل الحزب فلتحله». لكن الزهرواي رأى أن «ازدواجية الخطاب ينهجها العدالة والتنمية متعمداً لأنها تخدم مصالحه في الانتخابات... لكنّ مواقف كهذه يمكن أن تهدد التحالف الحكومي، وهو ما يسعى إليه بنكيران».