القاهرة | بعد مرور أكثر من أسبوع على انطلاق «العملية الشاملة - سيناء 2018»، تبدو الأهداف المعلنة للدولة المصرية «فضفاضة» بشكل عام، خصوصاً أن العمليات الجارية في شبه الجزيرة المصرية، اقتصرت، في أيامها الأولى، على استهداف أشخاص يختبئون بالفعل في المناطق الجبلية، وتدمير عدد من مخازن السلاح، وبؤر التخفي، المنتشرة على رقعة جغرافية واسعة.
ومع ذلك، فإنّ رصداً للأسبوع الأول من «العملية الشاملة»، التي وصفت بأنها الأضخم منذ حرب عام 1973، يظهر أن ثمة إنجازات مهمة تحققت، وهي تقترن بسلسلة إجراءات مرافقة، على المستويين اللوجستي والإعلامي، فضلاً عن الجانب التأميني، بشكل يجعل من الممكن القول إن العمليات الحالية في شبه الجزيرة المصرية، التي تعشّش الإرهاب في شطرها الشمالي، تبدو مختلفة في حجمها ومستواها، عن سابقاتها، وإن كان من الصعب حالياً تحديد سقف زمني للهدف العام المعلن، وهو «التطهير الكامل».
وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، ينجح الجيش المصري في تجنيب المدنيين بالفعل مشاكل العمليات العسكرية. وعلى هذا الأساس، لم تخرج قبيلة أو عائلة في سيناء لتعلن تضررها، بالرغم من ضخامة الحملة العسكرية، وإعداد القوات المشاركة فيها، والتي تسير بشكل مكثف على الطرق، وفي الأودية، على مدار اليوم، بتغطية من سلاح الجو، الذي تقوم طائراته وطوافاته بعمليات استكشاف واسعة النطاق قبل تحرك القوات على الأرض، تجنّباً لأي كمائن محتملة.
فعلياً، لم يتكبد الجيش خسائر تُذكر، خلال الأسبوع الأول من «العملية الشاملة»، التي يُتوقع أن تستمر نحو شهرين، بحسب بعض المصادر العسكرية، التي اتفقت على أن السقف الزمني للعمليات العسكرية يراوح ما بين ثمانية وعشرة أسابيع.
ولكن معدلات الملاحقة المتزايدة في الأيام الأولى حققت العديد من الأهداف الاستراتيجية بالقضاء على بؤر وتجمعات في أماكن متفرقة في وسط سيناء وشمالها، فيما دُفع بتعزيزات كبيرة في جنوب سيناء، لتجنّب أية محاولات لاستهداف المنشآت السياحية خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع تضييق الخناق بصورة غير مسبوقة على الشمال والوسط.
وفي العموم، كبّد الجيش المصري العناصر التكفيرية في سيناء خسائر فادحة، لم تعد مقتصرة على السلاح الذي بات من شبه المستحيل وصوله إلى سيناء مجدداً، ولكن أيضاً في عدد القتلى، في صفوف التكفيريين، الذي ناهز المئة عنصر على الأقل في الأسبوع الأول من العمليات العسكرية.
علاوة على ذلك، شهدت العمليات العسكرية، للمرة الأولى منذ أشهر، نقل جثامين قتلى الجماعات التكفيرية إلى مستشفى الإسماعيلية العام، في مؤشر إضافي على نجاح عمليات الاستهداف والمداهمة.
وواصلت قوات الجيشين الثاني والثالث إعادة تمركز قواتها في مدن قناة السويس، وفي شمال سيناء، ووسطها، حيث عبر عدد كبير من الآليات العسكرية ضفتي القناة، متجهة إلى مناطق العمليات العسكرية، فيما استخدمت أحدث الآليات العسكرية، التي تتحرك في الدروب الصحراوية، لتنفيذ بعض العمليات، خاصة في المنطقة القريبة من «جبل الحلال»، وسط إجراءات تأمينية مكثفة.
وقال مصدر عسكري لـ«الأخبار» إنه بمجرد الانتهاء من العملية العسكرية، سيبدأ العمل على تنفيذ مشروع مدينة رفح الجديدة، التي وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإقامتها لاهالي رفح، الذين هُجِّروا خلال السنوات الماضية، في سياق إجراءات «ضبط» الشريط الحدودي، مع قطاع غزة.
وأشار المصدر العسكري إلى أنه ستجري إعادة الأقباط الذين هُجِّروا من العريش، نتيجة عمليات استهدافهم العام الماضي، مؤكداً أن الجيش لن يعلن انتهاء العمليات بشكل كامل إلا مع التأكد من قدرة أجهزة الدولة على الوصول إلى جميع المناطق، وفرض سيطرتها عليها، والقضاء على الإرهابيين بشكل كامل.
وأضاف أن هناك تحقيقات تُجرى مع مجموعات ضُبطَت خلال الفترة الماضية، في محاولة للوصول إلى طبيعة عمل الإرهابيين في هذه سيناء، مشيراً إلى ضبط أجهزة متطورة وباهظة الثمن، وأخرى تعرضت للتدمير في الغارات الجوية التي نفّذها سلاح الجو منذ بداية «العملية الشاملة».
ويبدو أن العملية الحالية تلقى ترحيباً شعبياً من أهالي سيناء، الذين يأملون عودة الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن، خاصة بعد المعاناة المستمرة التي يعيشون فيها منذ منتصف عام 2013.
علاوة على ما سبق، فقد منح قرار تعليق الدراسة بشكل كامل في المدارس والجامعات الاهالي نوعاً من الطمأنينة على أبنائهم، الذين باتوا يقضون غالبية أوقاتهم في المنازل، وسط سماع مستمر لأصوات الطائرات والدبابات، التي تتحرك باستمرار في شوارع العريش، فيما تبدو الحياة معلقة بانتظار نتائج العمليات العسكرية، مع انتهاء المصالح الحكومية من أعمالها مبكراً، بالإضافة إلى إغلاق جميع المحلات في أوقات مبكرة للغاية.
وفي المقابل، تواجه المترددين يومياً على ضفتي قناة السويس أزمة في العبور، بسبب إغلاق غالبية المعدّيات، والإجراءات الأمنية المشددة المتبعة في التفتيش، فيما كثفت القوات من انتشارها بطول المجرى الملاحي، الذي بات مؤمّناً بصورة غير مسبوقة من قبل القوات الخاصة في الجيش المصري، بجانب القطع البحرية التي ترافق السفن العملاقة خلال عبورها بالقناة.
وبرغم وجود أزمات في الوقود والسلع التموينية الضرورية، إلا أن الجيش دفع مجموعة من السيارات التي وفرت بعض السلع الاستراتيجية، وبعضها جرى توفيره لمناطق عدّة بالمجان، في خطوة لاقت استحسان الأهالي، فيما تبقى المشكلة الأكبر استمرار تعطل شبكة الهواتف والإنترنت بشكل شبه كامل، على خلفية العمليات العسكرية، حيث لا تعمل شبكات الهاتف المحمول سوى ثلاث ساعات يومياً.
إعلامياً، بينما ينفذ الجيش العملية العسكرية، حرصت القيادة العامة للقوات المسلحة على توضيح بعض النتائج التي يجري تحقيقها، وذلك ضمن بيان يومي يعلن مع الساعات الأولى من الصباح، فيما عُقد مؤتمر صحافي، يفترض أن يتكرر أسبوعياً، للردّ على استفسارات المحررين العسكريين في ما يتعلق بالأهداف والنتائج، وتوضيح الحقيقة للرأي العام، بينما يجري التواصل من قبل القيادة العسكرية مع الهيئة العامة للاستعلامات، لتكون حلقة الوصل مع وسائل الإعلام الأجنبية، وذلك للتشديد على أن ما يحدث في سيناء هو عملية عسكرية للقضاء على الإرهاب.