لا اتفاق ناجزاً حتى ليل الأمس، لدخول أربعة آلاف مقاتل من قوات سوريّة، شعبية كانت أو نظامية من الجيش السوري إلى عفرين. كانت الأنباء عنه قد صدرت من الجانب الكردي، وخصوصاً المستشار في الإدارة الذاتية الكردية، بدران جيا كرد، فيما تجاهلته دمشق على الرغم من تركيز إعلامي متواتر عن التوصل فعلاً إلى اتفاق بهذا الشأن خلال مفاوضات دارت في حلب بين ممثلين لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، جاؤوا من جبل قنديل على ما يقوله مصدر سوري، وجنرال روسي مقيم في المدينة، ووفد ضم ممثلين عن مكتب الأمن الوطني في دمشق، الذي يقوده اللواء علي مملوك المسؤول المباشر عن الملف الكردي، وقائد أمن الدولة في المدينة العميد خليل الملا.
وتولت فوزة يوسف، الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لإقليم شمال سوريا، نفي التوصل إلى أي اتفاق يبعث بقوات سورية إلى عفرين. وقالت فوزة يوسف لـ«الأخبار» إن «ما جرى لم يتجاوز طور المباحثات مع النظام في دمشق، وعلى العكس مما يقال، فقد طلبنا دخول قوات سورية نظامية إلى عفرين، ولكننا لم نتوصل إلى أي اتفاق عملي وناجز». وأضافت المسؤولة الكردية: «إننا كنا قد اقتربنا من التوصل إلى اتفاق، لكن المواقف تغيرت، لأن روسيا لا تريد التوصل إلى اتفاق، وتريد فرض شروطها علينا». وتقول يوسف، إن المباحثات كانت قد تناولت بالفعل دخول قوات شعبية إلى عفرين كانت ستعمل من بين بنود الاتفاق المقترح على إعادة السيطرة السورية على المناطق التي دخلتها المجموعات السورية العاملة بإمرة الجيش التركي. ويبدو أن التشكيلة المقترحة في تلك المباحثات للقوات المفترض دخولها إلى عفرين تضم توازناً لافتاً إيرانياً، وروسياً، وسورياً.

يحمّل الكرد موسكو مسؤولية فشل المفاوضات مع دمشق

وقال مصدر سوري إن قوات شعبية من أربعة آلاف مقاتل مؤلفة من فصائل ولجان شعبية في نبل والزهراء ستشارك في عملية الدخول إلى عفرين. وكانت اللجان الشعبية في البلدتين قد لعبت دوراً كبيراً في دعم «وحدات حماية الشعب» الكردية بالأسلحة والمعدات، وشكّلت عمقاً دفاعياً لعفرين، وهو ما يعبِّر عن قرار إيراني منذ البداية باحتواء التقدم التركي في عفرين والتصدي له، ومنع تركيا من تحقيق المزيد من المكاسب وتجميع الأوراق على طاولة التسوية السورية، فضلاً عن أن الروس هم من قدّموا المظلة الحالية للتدخل التركي في الشمال السوري. ومن المنتظر أن تنضم إلى هذه القوات فصائل من «درع الأمن العسكري»، وأخرى تابعة لحسين مرعي في بلدة السفيرة، وفصيل من الحرس الجمهوري. وكانت دمشق والروس يصرّون على استعادة سوريا المدينة بسرعة، ورفع الأعلام السورية على المباني الرسمية، وعودة المؤسسات من صحة وتعليم وأمن وخدمات إلى السيادة السورية. وتقول فوزة يوسف إن هذه النقاط شكّلت خلافات جرى التفاهم على تأجيلها. والأرجح أن المزيد من التقدم التركي قد يؤدي إلى تجاوز هذه العقبة، وخصوصاً أن الوقت والتطورات الميدانية بدأت تلعب لمصلحة القوات المهاجمة على كافة الجبهات، وأن المقاتلين الأكراد لن يستطيعوا مواصلة القتال لوقت طويل، وتحمّل التضحيات في معركة قد تكون خاسرة سلفاً.
ومنذ البداية كانت معركة عفرين محط تجاذب ورهانات متقاطعة روسية وسورية وإيرانية لتحجيم المشروع الكردي في سوريا، انطلاقاً من عفرين. وساعد إصرار الكرد على خوض معركة، كان من الصعب تجنبها، وتمهّل الثلاثي الروسي الإيراني السوري، على تحويل الهجوم التركي إلى ورقة ضغط على «وحدات حماية الشعب»، لفرض تنازلات جوهرية على الأكراد، والتفرج على الأتراك يستنزفون القوات الكردية، وجعلهم أكثر مرونة، وهو ما بدا بوضوح في الهدن الجوية، التي كانت تتوقف، بطلب روسي، خلالها عمليات القصف الجوي التركي على المنطقة التي تحوي أكبر تجمع سكاني كردي في سوريا، أو تستأنف لضبط الزمن الميداني على السياسي، خصوصاً أن خطوط الدفاع الكردية قد بدأت بالتصدع، في مستطيل الأرض العفريني الذي يتقدم داخل لواء الإسكندرون السليب، انطلاقاً من الشيخ حديد، وبلبل التي سقطت بيد المجموعات المسماة «غصن الزيتون» التركية - السورية، واختراق جنوب وغرب وشرق مثلث القرنة في أقصى شمال غرب عفرين، ونزولاً جنوباً نحو راجو وجنديريس أسفل المستطيل، الذي سيؤدي سقوطه إلى انفتاح الطريق في الوادي الممتد من جنديريس إلى عفرين المدينة، وتمدد السيطرة التركية على كامل الشريط السوري من جرابلس حتى عفرين.
وجليّ أن روسيا تعمل على استثمار الهجوم التركي سياسياً في مواجهة الأكراد. وتبدو الاستراتيجية الروسية منضبطة على إيقاع واحد مع العمليات التركية تجاه الأكراد بعد فشل محاولات ضمهم إلى التحالف مع دمشق، من عفرين إلى إدلب ومنبج، ووضعهم كل بيضهم في السلة الأميركية، في رهانهم على استغلال الوجود الأميركي لتحقيق مشروعم في سوريا وفرض وقائع على الأرض يصعب تغييرها، وتحولهم نقطة ارتكاز رئيسة لاستراتيجية واشنطن في استنزاف روسيا في وادي الفرات، واحتلال الشرق السوري، والسيطرة على موارده من نفط وغاز ومياه وزراعة، لا حياة لسوريا من دونها. التوجه الروسي في هذا السياق يبدو كأنه معركة فرعية في الصراع الروسي الأميركي القائم في الشرق السوري. ويتفاقم الموقف بعد الضربة التي تعرض لها مقاتلو شركة «فاغنر» الروسية قبل أسبوع من الجانب الأميركي، خلال محاولتهم عبور الفرات مع قوات سورية رديفة، باتجاه منشأة «كونوكو» للغاز، وحقل العمر النفطي. وهي عملية تملص الروس من أية مسؤولية ميدانية عنها، كما أوضح بيان وزارة الدفاع الروسية، الذي قال إنها جرت من دون التنسيق معها، فيما تخضع مجموعة «فاغنر» لقيادة القوات البرية الروسية ومخابراتها العسكرية في سوريا. ويقول مسؤول غربي يعمل في المنطقة لـ«الأخبار» إن الروس يريدون إنهاء الإدارة الذاتية الكردية في عفرين، وإنهم كانوا يصرون خلال النقاش معهم على عودة كاملة للدولة السورية إلى عفرين، وتفكيك مظاهر الإدارة الذاتية في عفرين، والدخول إلى منبج بعدها. ويعرض الروس ثلاثة حلول تعدّ مقبولة لوقف الهجوم التركي، أولها فتح مفاوضات مباشرة حول مصير المجموعات التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا القادمة من جبل قنديل، وحلّ «الوحدات» الكردية في عفرين أو ترحيلها إلى منطقة الحسكة. وقال المسؤول الغربي إنه في مقابل ذلك، كان الأكراد لا يجمعون على موقف واحد، وكانوا يتأرجحون بين من يدعو إلى تقديم تنازلات، وبين من يدعو إلى المقاومة. وكان الأميركيون كما قال مسؤول كردي لـ«الأخبار» قد أبلغوا ممثلين عن «الوحدات»، إنهم لا ينبغي أن ينتظروا أية مساعدة منهم في أي منطقة غرب الفرات. إذ لا تزال القوات الأميركية تعمل على احتلال المناطق السورية الأقل ازدحاماً خصوصاً في البادية الشرقية التي لا تتطلب إدارة معقدة، وتتمتع بتركيبة عشائرية أمكن التفاهم معها في ضمها إلى «قسد»، وتتجنب الانخراط في المناطق الأكثر ازدحاماً في حواضر الغرب والوسط السوري، حيث ستضطر إلى إدارة احتلال مدن مأهولة بالخصوم والأعداء. والأرجح أنه كلما تأخر الاتفاق وازداد عنف العمليات العسكرية التركية، تراجع الأكراد في مواجهة الشروط التركية والروسية في عفرين، وتبين أن أي اتفاق يبرم اليوم سيكون أفضل من الغد. والأرجح أن الاستعجال في التفاهم مع دمشق أصبح مسألة حياة أو موت، خصوصاً أن كل محاولات تدويل الصراع قد فشلت. فبعد محاولات فرنسية لعرض قضية عفرين على مجلس الأمن، تراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الدعم المعلن، إلى تفهم الحاجات الأمنية لتركيا في عفرين. وكان مسؤول ديبلوماسي فرنسي قد قال لـ«الأخبار» إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أبلغ الرئيس ماكرون، أن تركيا تقبل بوقف العملية العسكرية مقابل دخول أحد الجيشين السوري النظامي أو «الحر» إلى المنطقة. وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس، عندما أعرب عن تقبّل بلاده دخول قوات حكومية إلى عفرين، إن لم تكن نيتها الدفاع عن «الوحدات» الكردية. أما عرض وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، في أنقرة بإخراج الكرد من «قسد» وإبقاء قوات أميركية إلى جانب العناصر العربية في «مجلس منبج العسكري»، لتجنيب منبج هجوماً تركياً، ومصيراً شبيها بمصير عفرين، فلا يبدو هو الآخر واقعياً، خصوصاً أنّ من المفترض أن يكون الأكراد قد خرجوا من منبج العام الماضي، وبعد سقوطها، بحسب تعهدات أميركية. لكن صور أرتال الانسحاب الكردي من منبج لم تقنع الأتراك بالأمس، ولن تقنعهم غداً.