على الرغم من التعزيزات العسكرية الكبيرة للجيش السوري، التي وصلت جبهات غوطة دمشق الشرقية خلال الأيام الماضية، لم تنطلق أيّ عمليات بريّة على أيّ من المحاور هناك حتى الآن. وخلاف ذلك تماماً، فإن القصف المدفعي والجوي على مواقع داخل الغوطة استمرّ، في مقابل القذائف اليومية التي تستهدف معظم الأحياء الشرقية للعاصمة دمشق. التصعيد العسكري استدعى حملة ضغط كبيرة من الدول الداعمة للمعارضة السورية، في مسعى لإجهاض أي هجوم متوقع من شأنه تغيير توازن القوى في محيط دمشق. واستهدف الجهد الغربي الضغط على موسكو، ومن خلفها دمشق، لوقف العمليات.
وهو ما دفع الجانب الروسي إلى محاولة احتواء هذا الجهد عبر طلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي، لبحث الوضع في الغوطة الشرقية. واعتبر المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن هذا الاجتماع «العلني» سوف يتيح لجميع الأطراف «عرض رؤيتهم و(كيفية) فهمهم للوضع واقتراح وسائل للخروج من الوضع الراهن». وتزامن هذا التوجه مع مطالبات مكثفة لإعلان هدنة في الغوطة، كان أبرزها ما صدر عن القاهرة، إذ دعت وزارة الخارجية المصرية إلى «هدنة إنسانية لإدخال المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمصابين لتجنّب كارثة إنسانية حقيقية»، مدينة «أي قصف للمناطق المدنية في الغوطة ودمشق وكافة أنحاء سوريا». ولفتت في بيان إلى أن مصر «تواصل مساعيها واتصالاتها مع كافة الأطراف المعنية من أجل إيجاد مخرج للوضع الإنساني المتأزم في الغوطة... في إطار الرؤية المصرية القائمة على السعي للتوصل لوقف لإطلاق النار»، وهو ما يتقاطع مع ما ورد عن وساطة مصرية في المحادثات التي تجري مع عدد من الفصائل المسلحة في الغوطة، بهدف تجنّب الصدام العسكري، خاصة أن أطرافاً معارضة مثل «هيئة التنسيق الوطنية» قد طالبت كلاً من روسيا ومصر، بصفتهما ضامنين لاتفاق الهدنة الأخير في الغوطة، بالتحرك لوقف التصعيد.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المفاوضات مع فصائل الغوطة «أجهضت»
وفي إفادته اليومية حول الأوضاع في سوريا، أوضح «مركز المصالحة» الروسي في قاعدة حميميم، أن «النداءات التي وجهها المركز إلى الجماعات المسلحة غير الشرعية في الغوطة الشرقية، لوقف المقاومة وإلقاء السلاح وتسوية أوضاعهم، لم تأتِ بنتيجة». وأضاف أن تلك المجموعات «تمنع الناس من مغادرة المناطق التي تسيطر عليها، من خلال معبر مخيم الوافدين»، مشيراً إلى أن «عملية التفاوض من أجل الوصول إلى تسوية سلمية في الغوطة قد أجهضت».
وقد يساعد التنسيق العالي المستوى بين روسيا ومصر، والذي نجح في إنجاز هدنة سابقاً في الغوطة، في الوصول إلى مخرج للتصعيد الحالي، بشكل يلبّي المطالبات الأممية والدولية المتزايدة، خاصة أن دعوات التهدئة خرجت من الأمم المتحدة وواشنطن وباريس، وعدد كبير من الدول والقوى الفاعلة في الملف السوري، فيما يتوقع أن يصوت مجلس الأمن اليوم أو غداً، على مشروع قرار كويتي ــ سويدي يفرض وقفاً لإطلاق النار لمدة شهر في سوريا، ويستثني تنظيمات «جبهة النصرة» و«القاعدة» و«داعش»، إلى جانب مطالبته بدخول قوافل مساعدة إنسانية إلى المناطق المحاصرة، تتضمن معدات طبية. وكان بيان الخارجية الأميركية قد ركز انتقاداته على روسيا، مطالباً إياها بـ«أن تنهي دعمها لنظام الأسد وحلفائه». غير أن الكرملن اعتبر تحميل بلاده مسؤولية مقتل مدنيين في الغوطة «اتهامات لا أساس لها من الصحة».
أما في الشمال، فقد دخلت دفعة جديدة من «القوات الشعبية» إلى منطقة عفرين، للمشاركة في التصدي للعدوان التركي، وانتشرت تلك المجموعات في عدد من البلدات والمواقع المحددة. وجاءت هذه الدفعة الثانية من القوات بعد تهديدات تركية باستهداف جميع من يقاتل إلى جانب «وحدات حماية الشعب» الكردية في عفرين. وفي تصريحات لافتة من الجانب الروسي، رأى وزير الخارجية سيرغي لافروف أن حلّ ملف عفرين يجب أن ينطلق من «حوار الأطراف الخارجية المؤثرة مع الحكومة السورية على أساس احترام سيادة سوريا». وسريعاً ردت أنقرة عبر المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم قالن، بالتأكيد على أن «من غير الوارد حالياً» إجراء «حوار سياسي رفيع المستوى» مع الحكومة السورية. غير أن قالن أشار في الوقت نفسه إلى أنه «عندما تستدعي الظروف الاستثنائية ذلك، يمكن لوكالة الاستخبارات لدينا الاتصال بشكل مباشر أو غير مباشر (مع الاستخبارات السورية) لحل بعض المشاكل في الميدان». وحول ما نقل عن «اتفاق» بين «الوحدات» الكردية والحكومة السورية بشأن انتشار الجيش السوري في عفرين، لفت قالن إلى أن بلاده «لا تملك معلومات تؤكد مثل هذا الاتفاق»، وتعتبر هذه الأنباء «دعاية بحتة».
(الأخبار)