الجزائر | بدأت الساحة السياسية في الجزائر بمعرفة تغييرات متسارعة، من شأنها دفع المعارضة إلى إحياء انتقاداتها لعملية إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رئاسية رابعة (نيسان/أبريل 2014)، كذلك من شأنها تركيز الاهتمام العام على ما يجري في هرم السلطة الجزائرية تحضيراً للمرحلة المقبلة.
وبعد إجراء تعديلين حكوميين في مدة قصيرة (نحو سبعين يوماً، كان آخرهما الأسبوع الماضي)، ووسط استمرار التعديلات في سلك الولاة (المحافظين)، وصلت، يوم الجمعة الماضي، التغييرات إلى مستوى إقالة شخصيات عسكرية وأمنية رفيعة في جهازي المخابرات وأمن الرئاسة. وشملت التغييرات قائد مديرية الأمن الداخلي (جهاز مكافحة التجسس)، اللواء علي بن داود (في منصبه منذ أيلول 2013) وعيّن بدلاً منه العقيد عبد العزيز، ومسؤول مديرية الأمن الرئاسي، العميد جمال مجدوب (في منصبه منذ نحو عشرة أعوام)، وعيّن بدلاً منه العقيد ناصر حبشي، إضافة إلى قائد الحرس الجمهوري، اللواء أحمد مولاي ملياني (في منصبه منذ 2010) وعيّن بدلاً منه الفريق بن علي بن علي.

كشفت مصادر عن أنه
جرت أمس تنحية أربعة عقداء
من رئاسة الجمهورية

وكشف مصدر لـ«الأخبار» أن العقيدين، ناصر حبشي وعبد العزيز، كانا قد رافقا الرئيس بوتفليقة في رحلة علاجه في «مستشفى فال دوغلاس» في فرنسا عام 2013. وفيما نفى مصدر أمني مقرب من الرئاسة أن تكون تنحية مسؤول مديرية الأمن الرئاسي سببها «التهاون» كما روّج، قال إنها «تعود إلى ظروفه الصحية»، وحذّر في الوقت نفسه من «تأويل التغييرات بسلبية»،
واستمر، أمس، مسلسل تغيير المسؤولين العسكريين، إذ علمت «الأخبار» من مصادر أمنية رفيعة أنه جرت «تنحية أربعة عقداء من رئاسة الجمهورية» في ظروف يكتنفها الغموض والتستر. كذلك نصّب، أمس، نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، الفريق بن علي بن علي، قائداً جديداً للحرس الجمهوري، وقال أمام قيادات وأفراد الحرس: «يجب عليكم من الآن أن تعترفوا بقائدكم هذا، الفريق بن علي بن علي، الحاضر أمامكم، وأن تطيعوه في كل ما يأمركم به لمصلحة الخدمة، تنفيذاً للقواعد العسكرية ومسايرة للقوانين، وشرف القوات المسلحة الجزائرية».
وقد تذكّر التغييرات الحالية بما جرى في أيلول/سبتمبر 2013 في إطار إعادة هيكلة دائرة الاستخبارات والأمن، في البلاد، لكن، راهناً، انقسم المتابعون بصورة جذرية بين موقفين. فنقلت جريدة «الخبر» المحلية عن رئيس الكتلة البرلمانية لـ«جبهة التحرير الوطني» (الحاكمة)، محمد جميعي، وصفه التغييرات بـ«العادية»، مضيفاً أنّ ما جرى يندرج «ضمن صلاحيات الرئيس باعتباره وزيراً للدفاع... الحركة التي مسّت قيادات في المؤسسة العسكرية تهدف إلى خلق الحيوية وإعطاء نفس جديد لهذا القطاع»، بينما رأت أطراف معارضة أنّ ما جرى يشير إلى اشتداد «صراع الأجنحة» في أعلى هرم السلطة، بما يوحي بدخول البلاد مرحلة جديدة، وسط تنامي التخوف من العودة إلى عقد التسعينيات.
وترى أطراف في المعارضة الجزائرية أن الإقالات التي أقدم عليها الرئيس بوتفليقة مردّها «إلى الصراع الدائر بين أجنحة السلطة، وبالأخص بين رئاسة الجمهورية بقيادة شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، وجهاز المخابرات بقيادة الجنرال، محمد مدين (الجنرال توفيق)، بخصوص التحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة». ويقول مصدر إن ما يحدث من تغييرات «يؤكد أن ساعة الحسم اقتربت، خاصة مع عودة مدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، إلى الواجهة السياسية، وسط تضاعف نشاط الوزير الأول، عبد المالك سلال، وهما الشخصيتان المنتظر تنافسهما على كرسي الرئاسة بدعم من المتنازعَين».
من جهة أخرى، يرى عسكري سابق، في حديث إلى «الأخبار»، أن التغييرات «تندرج في إطار مسايرة التطورات التي تعرفها البلاد داخلياً وخارجياً، خاصة مع عودة النشاط الإرهابي بقوة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى نقطة مهمة هي «التخوفات التي تتملك السلطة من احتمال تحرك الشارع بسبب الإجراءات الاقتصادية التقشفية التي أعلنتها الحكومة جراء تدهور أسعار النفط وتهاوي سعر العملة الوطنية».
وفتحت التغييرات الحالية أبواب المخاوف، على اعتبار أن هذه الأجهزة كانت تابعة للمخابرات الجزائرية، قبل أن يحوّلها الرئيس بوتفليقة (في 2013) إلى قيادة الأركان في المؤسسة العسكرية بقيادة نائب وزير الدفاع، الفريق قايد صالح، فضلاً عن أنها جاءت بعد حديث جرى تداوله إبّان عيد الفطر عن وقوع مناوشات أمام مقر رئاسة الجمهورية في منطقة زرالدة (غرب العاصمة)، وصلت بالبعض إلى الحديث عن أنّ ما وقع هو «محاولة انقلاب».
الجدير بالذكر أنه عشية عيد الفطر الماضي، وقع إطلاق نار أمام مقر إقامة الرئيس بوتفليقة، أرجعته مصادر قريبة من الحكومة إلى «شجار وقع بين عناصر الأمن الرئاسي بسبب عطلة العيد، حينما رفض المسؤول منح أحد الأفراد المكلفين بالحراسة عطلة، قبل أن يحتدم التجاذب بين الطرفين ويصل إلى حد إطلاق النار من طرف العنصر الأمني، تعبيراً عن رفضه»، فيما تحدثت جهات من المعارضة عن أن «إطلاق الرصاص كان صوب شقيق الرئيس».