الجزائر | لم يكد الحديث عن «فساد» الوزير الأسبق شكيب خليل، يهدأ، حتى أعاد القضاء الإيطالي فتحه مجدداً، من خلال دعوى تُظهِر عناصر جديدة في القضية التي تعود إلى ما قبل سنة 2010، عندما منحت الجزائر العديد من المناقصات التي طرحتها لإنجاز خطوط أنابيب لنقل الغاز وتطوير حقول، إلى شركة «إيني» الإيطالية، وتحديداً فرعها «سايبام».
وقد بلغ مجموع ما نالته هذه الشركة من عقود نحو 8 مليارات دولار، وهو ما أثار الشكوك في حينه حول سبب تفضيل الإيطاليين برغم المنافسة الشديدة التي كانت تفرضها شركات طاقة عالمية أكثر خبرة وقوة من «إيني». إلا أنّ هذه القضية بقيت رهينة ما تجود به العدالة الإيطالية من تفاصيل، فيما عجز القضاء الجزائري الذي فتح هذا الملف باحتشام عام 2013، عن متابعته إلى النهاية.
ووفق المعلومات الجديدة التي أوردتها وكالة «رويترز» من إيطاليا، قبل أيام، فإنّ وكيل الجمهورية لمحكمة ميلانو، كشف عن دليل جديد يشير إلى أنّ مسؤولي «إيني» وفرعها «سايبام» دفعوا رشىً بهدف إبعاد خصومهم المنافسين والفوز بدعم شكيب خليل، في المناقصات التي تقدّموا إليها. ويواجه مسؤولو الشركة الإيطالية وفرعها تهماً بدفع رشىً بقيمة 197 مليون يورو بغية الحصول على عقود مع الجزائر في الفترة ما بين 2007 و2010 قيمتها ثمانية مليارات يورو. كذلك يواجه  المسؤولون نفسهم تهمة «شراء» ترخيص الوزير شكيب خليل للاستحواذ على الشركة الكندية «فيرست كالغاري بتروليوم».
وتأتي هذه المعلومات الجديدة لتربك وضع الوزير الجزائري الأسبق، الذي أصبح ينظر إلى هذا الملف على أنه جزء من الماضي، بخاصة أنّه كان يظنّ أنّ بعض الأطراف داخل منظومة الحكم استغلته لتلطيخ صورته. جدير بالذكر أنّه إثر عودته إلى الجزائر في شهر آذار/ مارس 2016، اتهَمَ شكيب خليل جهاز الاستعلامات والأمن (المخابرات) الذي حُلّ في أيلول/سبتمبر 2015، بـ«فبركة قضايا فساد» في حقّه، وذلك في معرض دفاعه عن نفسه لورود اسمه وأسماء أفراد من عائلته في قائمة تتضمن تسعة متهمين أصدر قاضي التحقيق في مجلس قضاء العاصمة مذكرة دولية بتوقيفهم، في آب/أوت 2013، تحت تأثير ما كانت تقوم به العدالة الإيطالية. للإشارة أيضاً، كانت المفاجأة كبيرة لدى عودته إلى الجزائر بعد فترة طويلة توارى أثناءها عن الأنظار في الولايات المتحدة، حين استُقبِل استقبالاً شبه رسمي من قبل والي ولاية وهران، كدليل على تصفية قضيته. وبعد أشهر قليلة صرّح الوزير الأول الحالي (رئيس الوزراء) أحمد أويحيى، بأنّ خليل تعرّض للظلم واستفاد من «انتفاء وجه الدعوى»، وهو ما أثار حيرة كبيرة وتساؤلات عن حقيقة ملفه القضائي الذي لا يزال إلى اليوم غامضاً.
وقد أضحى الوزير شكيب خليل منذ عودته، يحاول الظهور في مظهر الخبير في مجال الاقتصاد والطاقة: يُقدِّم الحلول والاقتراحات، وحتى الانتقادات لسياسة الحكومة، فيما ظلّ حريصاً على إبقاء ولائه التام للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه، بل إنّه لم يُخفِ طموحه في العودة إلى مناصب المسؤولية. كذلك أثارت تحركاته داخل العديد من ولايات البلاد، وارتياده الزوايا الدينية للقاء مريدي الطرق الصوفية، الكثير من التساؤلات، عن غايته من وراء ذلك. وذهبت التأويلات إلى حدّ اعتبار ما يقوم به تمهيداً لترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2019، بينما ظلّ هو متحفظاً عن إفصاح نياته الحقيقية.
لكن في غمرة هذه الحركة الكثيفة، وطمس الملف القضائي في الجزائر، يُنتظر أن يكون لقرار العدالة الإيطالية تأثير على خليل الذي يُزعِجه كثيراً أن يعود ملف القضائي ليتصدر الصحف، خاصة في هذه المرحلة التي يُتوَقع أن تشهد تغييراً حكومياً، فضلاً عن أنّها مرحلة تترقب مصير الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولعلّ مشكلة خليل تكمن حالياً في أنّه برغم اعتباره أنّ القضاء الجزائري صار «مؤتمناً» بعد حلّ جهاز الاستعلامات والأمن الذي كان يديره رجل البلاد القوي «الجنرال توفيق»، فإنّه قد لا يملك التأثير على القضاء الإيطالي الذي قد يباغته بأي قرار يُفسِد عليه حساباته السياسية.
من جهة أُخرى، يعكس ملف الوزير الأسبق شكيب خليل، صورة عن حجم الفساد المستشري في الجزائر، بخاصة في قطاع الطاقة الذي يُعدُّ الفساد فيه «من بين أكثر الأسباب المُعرقِلة للتنمية في البلاد» كما يقول العديد من السياسيين ومنظمات المجتمع المدني. علماً أنّ الخطاب الرسمي يُشدِّد على أنّ الدولة «تحارب الفساد بصرامة».

«الفضائح وصلت إلى بيروت»

رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، وممثل منظمة «شفافية دولية» (Transparency International) في الجزائر جيلالي حجاج، يقول إنّ شكيب خليل «موجود منذ سنوات في عين إعصار العدالة الإيطالية، لكن المسؤولين الجزائريين يعملون (ما أمكنهم) من أجل ألا يمثل أمام القضاء الأجنبي».
ويلفت حجاج إلى أنّ الضغوط الجزائرية لم تقتصر فقط على المسؤولين الإيطاليين، ولكن تتعداها إلى دول أخرى لا تريد أن تفتح هذا الملف، على غرار إسبانيا ولبنان. وفي هذا الصدد، يوضح أنّ «بعض التحريات أشارت إلى أن جزءاً من أموال الرشى ذهبت إلى مصارف لبنانية، وذلك لأن المتهم الثاني في القضية هو فريد بجاوي (أحد الوسطاء في قضايا الرشاوى وهو نسيب شخصية سياسية لبنانية)... وبالتالي تمكن من تهريب أموال إلى مصارف في بيروت».
ويرى حجاج أن مدّة 10 سنوات التي مكث خلالها الوزير شكيب خليل على رأس وزارة الطاقة الجزائرية، «شهدت أكبر فضائح الفساد العالمية التي تورطت فيها الجزائر». ويعتقد حجاج أن عدم معالجة السلطات الجزائرية بجدية لقضية الفساد في قطاع الطاقة، أضرت كثيراً بصورة البلاد دولياً، وأدت إلى «نفور الشركات الأجنبية من الاستثمار هنا، خشية أن تقحم نفسها في مناخ يوَرِّطُ سمعتها».