في شهر رمضان الماضي، بذلت الأمم المتحدة جهوداً لإرساء هدنة إنسانية في اليمن. ولهذه الغاية جال مبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، على بعض الدول المعنية، من بينها صنعاء والرياض، ليعلن في ما بعد أن الطرفين وافقا على الهدنة لمدة خمسة أيام قابلة للتجديد، ثم حدد ولد الشيخ موعد الهدنة في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان وسط ترحيب إقليمي ودولي.
لكن السعودية لم تلتزم تعهداتها أمام الأمم المتحدة، واستمرت في عدوانها، بل زادت منسوب الغارات الجوية، ما عرّض صدقية الأمم المتحدة للخطر، قبل أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، شعوره بـ«الضيق» من التصرف السعودي واستهزاءها بالمبادرات الأممية. وفي استخفاف فاضح، برر المتحدث العسكري باسم العدوان، أحمد العسيري، أن الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي لم يبلغ قيادة العدوان عن وجود هدنة.
يحاول مسلحو هادي إقصاء كل من يمت بصلة إلى «الإخوان»
بعد عيد الفطر، بدأت قوات العدوان عمليات عسكرية كبيرة، فأنزلت قوات إماراتية وسعودية في عدن، وحققت خروقاً مهمة في المدينة، بالتوازي مع حملة إعلامية وسياسية لاستثمار الواقع الميداني الجديد، ثم بدأ الإعداد للوجهة التالية لقوات العدوان وأتباعها نحو قاعدة العند في لحج، التي تعد من أهم القواعد العسكرية في الجنوب، وتتحكم بالحركة العامة بين عدن ولحج وتعز والضالع. كما يأتي التركيز على القاعدة المذكورة لما لها من تأثير في القوات المتموضعة في عدن.
الهجمات الضخمة التي شنت على العند، باءت جميعها بالإخفاق، لتنتقل الحملة لاحقاً إلى محافظة تعز، حيث أعلنت فصائل «القاعدة» وحزب «الإصلاح» (الإخوان المسلمين) التنسيق المباشر مع العدوان، وذلك بشن عشرات الغارات على مواقع الجيش و«اللجان الشعبية» والمناطق السكنية، وكانت أبرز الغارات التي نفذت على ميناء المخاء في ساحل تعز، وسقط جراءها أكثر من مئة شهيد من المدنيين.
وإزاء الجهود القائمة من قوات العدوان وعملائها المحليين لإسقاط محافظة تعز، لما تمثل من موقع جغرافي وديموغرافي مهم في الوسط اليمني، تبيَّن، وفق معلومات خاصة أن الجيش و«اللجان»، تنبهوا إلى خطة العدوان، فشنّوا هجمات استباقية لإعادة التموضع في المحافظة، قبل أن تتم السيطرة على منطقتي عصيفرة وحدنان، والقرى المجاورة شرق وغرب تعز، لمنع العدوان من الاستفادة من أي خطوات لاحقة.
لكن النجاحات التي حصدها العدوان، لم تحل دون بروز خلافات عميقة بين الفصائل المسلحة، ولا سيما الجنوبية منها، فقد أعلن بعضها عدم الاعتراف بشرعية هادي، متهمين إياه بأنه يريد فرض الأقاليم الستة في اليمن، فيما يريد بعضٌ آخر عودة هادي وحكومته إلى اليمن. وأحدثت هذه المواقف خلافات حادة داخل جبهات القتال التابعة للفصائل المسلحة التابعة للجنوب.
كذلك إن التدخل العسكري الإماراتي والسعودي، وخصوصاً في جبهة عدن، ترافق مع منع هذه القوات الفصائل الجنوبية الانفصالية من رفع العلم الجنوبي فوق الآليات والمواقع العسكرية الموجودة في جبهات القتال، الأمر الذي أدى إلى إثارة غضب هذه الأطراف، وبالذات بعدما تأكد لهؤلاء أن دول العدوان لا تقاتل «أنصار الله» من أجل قضية الجنوب، بل لفرض الهيمنة على البلاد جنوباً وشمالاً. ويزداد الوضع تعقيداً بتوسع رقعة الفصائل التكفيرية من («القاعدة» و«داعش» والسلفيين) في عدد من المحافظات، وبالتحديد الجنوبية، كما ظهر الخلاف علناً بين مسلحي حزب «الاصلاح» ومسلحي هادي الذين يحاولون، بالتعاون مع المستشاريين الإماراتيين، إقصاء كل من يمت بصلة إلى جماعة «الإخوان».
لم تستطع السعودية إمساك العصا من الوسط، فانفضح دورها في الجنوب. وهي بحكم الخبرة والمشرب الواحد، ليس بمقدورها التخلي عن «القاعدة» والفصائل السلفية واستثمار «الإصلاح». وبحكم التراكمات القديمة والترسبات العالقة مع اليمن الجنوبي، أبقت على مواقفها التاريخية، وعادت وسائل إعلام دول العدوان، إلى نغمة تذكير الجنوبيين بـ«التاريخ الاشتراكي»، ما دفع كثيراً من الفصائل الجنوبية، وخصوصاً الحراكية، إلى البدء بإجراء اتصالات مع حركة «أنصار الله»، في محاولة لإيجاد قراءات مشتركة للكثير من القضايا، ولا سيما أن قيادة «أنصار الله» كانت قد أعلنت استعدادها للحوار المتطلع إلى حل قضية الجنوب من موقع المسؤولية، وبضرورة مقاربتها بما يرضي الجنوبيين في إطار الوطن الواحد.
في هذا الوقت، أعلنت قوات العدوان قبل أيام، وبصورةٍ مفاجئة ومن دون تنسيق مع الأمم المتحدة، هدنة إنسانية. وقال المتحدث باسم العدوان إن قواته تلتزم الهدنة ابتداءً من فجر الأحد الماضي استجابة لدعوة هادي، قبل أن تفشل الهدنة بسبب استمرار عمليات العدوان. وكان مفترضاً أن تسمح الهدنة للقوات المؤيدة للعدوان بتثبيت مواقعها، والعمل على لملمة ما أمكن من المجموعات المتصارعة بعدما وصلت خلافاتها إلى حد يعوق الاستمرار في جبهات القتال.